منتديات محبى سيناء
الصحراء هي من ذهب اليها ذلك الطفل اليتيم الذي اعطى للحياة معنى وقيمة
الصحراء من حضنت نبي الامة محمد عندما كان في احضان السيددة حليمة السعدية فهنيئا لك ايتها.الصحراء يكفيك فخرا ان رمالك كانت تطبع اثار اقدام خير خلق الله ...... استنشق هواءها النقي .. وهناك راى الكل كيف يشع النور من الوجه البرئ .. وجه اجمل طفل منذ ان خلق الله البرية
الصحراء حب يسكن عروق اهلها ....... وماذا يعرف البعيد عنها من اسرار هذا الحب
يشرفنا ترحيبك ويسرنا انضمامك لنا,,,,,,,
فضلا وليس أمراً اضغط دخول إذا كنت مسجل أو اضغط تسجيل إذا كنت غير مسجل ,,اما اذا كنت تريد التصفح فاضغط إخفاء ......

منتديات محبى سيناء
الصحراء هي من ذهب اليها ذلك الطفل اليتيم الذي اعطى للحياة معنى وقيمة
الصحراء من حضنت نبي الامة محمد عندما كان في احضان السيددة حليمة السعدية فهنيئا لك ايتها.الصحراء يكفيك فخرا ان رمالك كانت تطبع اثار اقدام خير خلق الله ...... استنشق هواءها النقي .. وهناك راى الكل كيف يشع النور من الوجه البرئ .. وجه اجمل طفل منذ ان خلق الله البرية
الصحراء حب يسكن عروق اهلها ....... وماذا يعرف البعيد عنها من اسرار هذا الحب
يشرفنا ترحيبك ويسرنا انضمامك لنا,,,,,,,
فضلا وليس أمراً اضغط دخول إذا كنت مسجل أو اضغط تسجيل إذا كنت غير مسجل ,,اما اذا كنت تريد التصفح فاضغط إخفاء ......

منتديات محبى سيناء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات محبى سيناء


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
حتى نتسم عبير الحريه***حتى لا يصبح الوطن فى مهب الريح***حتى لا ندع قراراتنا فى يد من باعو الوطن وسرقوا مقدراته حتى لا تكون سلبيا شارك فى الانتخابات وأدلى بصوتك لمن يستحق
إداره منتديات محبى سيناء ترحب بكل زوارها الكرام وتتمنى ان ينال الموقع اعجابهم وكل عام وانتم بخير............
تشكر إداره المنتدى الأخ الغالى محمد جعفر على مجهوداته المتواصله فى سبيل الرقى بمنتدانا
يسر إداره منتديات محبى سيناء اعلان العضوه غزل نائب مدير الموقع ولها كافه الصلاحيات مع تمنياتناً بالمزيد من التقدم والتواصل البناء الهادف..........

 

  قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط وآثارها الحضارية والثقافية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
LOVERS SINAI
المدير العام
المدير العام
LOVERS SINAI


عدد المساهمات : 2417
نقاط : 179707
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
الموقع : أم الدنيا

 قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط وآثارها الحضارية والثقافية Empty
مُساهمةموضوع: قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط وآثارها الحضارية والثقافية    قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط وآثارها الحضارية والثقافية I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 17, 2010 6:38 pm

الكاتب : الدكتور / ربيع محمد القمر الحاج


أولاً : ظروف ومسار توقيع اتفاقية البقط

بسم الله والحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد
فقد عرف المؤرخون والجغرافيون العرب في العصور الوسطى البلاد التي تقع في الجنوب من مصر على جانبي نهر النيل قرب مدينة أسوان شمالاً حتى التقاء النيلين الأبيض والأزرق جنوباً ببلاد النوبة ، إضافة إلى مناطق من حوض النيل الأزرق وما يليها غرباً( 1 ).[1]، وكانت هذه المنطقة عند ظهور الإسلام تضم ثلاث ممالك نصرانية هي – من الشمال إلى الجنوب – مملكة نوباتيا ومملكة المقرة ومملكة علوة ( 2 ) ، وقد اتحدت المملكتان الشماليتان – وفي وقت غير معروف تماماً – في مملكة واحدة حملت اسم المقرة وعاصمتها مدينة دنقلة ( 3 ).
ولم يكد القرن السادس الميلادي يشرف على الانتهاء حتى أصبحت النصرانية ديناً رسمياً للنوبيين بالرغم من وجود طوائف كثيرة منهم ظلت محافظة على معتقداتها الوثنية القديمة حيث أخذت هذه الديانة طريقها إلى الممالك عن طريق البعثات التنصيرية التي أرسلت مباشرة من قبل حكام الدولة البيزنطية ، وعن طريق المبشرين الأقباط القادمين من مصر (4)
ولما فتح المسلمون مصر سنة 31 هـ واجهوا من نوبة مملكة المقرة الشمالية موقفاً عدائياً سافراً تمثل في مشاركتهم البيزنطينية في القتال ضدهم (5) ، كما تمثل في شنهم غارات متتالية على حدود مصر ، الأمر الذي هدد الأمن هناك (6) مما حدا بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه أن يأمر واليه عمرو بن العاص بوضع حد لهذا الخطر النوبي (7) فوجه عمرو بن العاص عدداً من الحملات واجهها النوبيون بعنف وصلابة شديدة وهي نفس الصلابة التي واجه بها النوبيون من قبل الحملات الإغريقية البطلمية والرومانية على بلادهم ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن النوبيون ظلوا ينظرون إلى مصر على اعتبار أنها تمثل مصدراً مهماً من مصادر غذائهم وثرواتهم وتجارتهم بسبب طبيعة بلادهم القاسية ولضيق الرقعة الزراعية المعتمدة على مياه النيل ، وبالتالي فإن أي تهديد لمصر يعتبر تهديداً لهم ولتجارتهم ومصادر قوتهم (Cool فلم يأمر الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عن – (9) وانتهت بذلك صلاته ببلاد النوبة.

وحين تولى والي مصر الجديد عبد اله بن أبي السرح الحكم واصل جهوده الرامية لوضع حد للخطر النوبي الذي يتهدد الحدود الجنوبية لمصر . وتمثلت هذه الجهود في عدد من الحملات والسرايا واجهها النوبيون بعنف شديد ( قال ابن لهيعة: حدثني الحارث بن يزيد قال : اقتتلوا قتالاً شديداً – أي عسكر عبد الله بن أبي السرح والنوبة – واصيبت يومئذ عين معاوية بن حديج وأبي شمر أبرهة الصباح وحيويل بن ناشرة (10) فسماهم المسلمون رمات الحدق، فقال الشاعر:
لم تر عيني مثل يوم دمقلة (11) والخـيل تعدو والدروع مثقـلة
ترى الحــماة حولها مجـدلة كأن أرواح الجميع مهملة (12)
لكن عبد الله واصل حملاته وكانت أكبرها وآخرها حملة قادها بنفسه – في عام 31هـ/751م (13) وذلك لوضع حد نهائي لهذا الخطر ولتأمين الطريق التجاري الذي عطلته الحروب وهددته الغارات النوبية المستمرة ولحماية الحدود الجنوبية للإمارة التي ضمت حديثاً لدولة الخلافة الراشدة.
بعد اجتيازه الحدود المصرية النوبية ، واصل عبد الله مسيرة حملته حتى دنقلة الععاصمة النوبية فأحكم عليها حصاراً قويا، ورماها بالمنجنيق ، فتداعت المدينة وخرج ملكهم قليدروس ( 31هـ/652م) يطلب الصلح والأمان فاستجاب عبد الله بن أبي السرح لداعي الصلح فوقع معهم معاهدة عرفت باسم معاهدة البقط اختلفت في طبيعتها وبنودها عن المعاهدات التي ألفها المسلمون وطبقوها في تعاملهم مع غير المسلمين في ذلك الوقت(14).
هذا وقد ظلت هذه المعاهدة تنظم العلاقة بين مصر وبلاد النوبة منذ توقيعها سنة 31هـ/651م حتى سنة 723هـ/1323هـ وهي السنة التي استقل فيها النوبة المستعربون من ( بني الكنز ) بالمملكة ، فأعترف لهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ( 693-741هـ ) بذلك (15)، وقد أحدثت تلك الفترة كثيراً من المؤثرات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية على أوطان النوبة مما كان له أكبر الأثر في تحول مستقبل البلاد والمناطق المجاورة لها .
في معنى البقط ومدلولها الاصطلاحي:
بالنظر في معنى كلمة بقطط نجد أنه قد اختلف في أصل الكلمة، أهي عربية أم غير ذلك؟ والذين يرون أنها كلمة عربية صرفة اختلفوا في معناها اللغوي اختلافاً واسعاً.
فبالنظر في كتب المعاجم ، والقواميس نجد أنها وردت بمعنى الفرقة من الشيء وهي جمع بقوط وهو ما ليس بمجتمع في موضع ، ولا منه ضيعة كاملة ، وإنما هو شيء متفرق من الناحية بعد الناحية. وقال ابن منظور في اللسان :العرب تقول: " مررت بهم بقطا بقطا – بإسكان القاف – وبقطا بقطا – بفتحها – أي متفرقين ".
حكى ثعلبة أن في بني تميم بقطا من ربيعة أي فرقة منهم ، وقال مالك بن نويرة:
رأيت تميما قد أضاعت أمورها فهم بقطا في الأرض فرث طوائف
فأما بنو سعد فبالحظ دارهـا فبابات منهـم مالـف فالمـزالف
أي منتشرون متفرقون.والبقطة من الناس بهذا المعنى الفرقة منهم (16).
وقد تأتي بمعنى مخالف لهذا المعنى وذلك في قولهم: "بقط متاعه بقطا أي جمعه وحزقه" (17)
وربما ترد كذلك بغير المعنيين الأولين مثل قولك : تبقط ، فلان في الجبل إذا صعد فيه ففي حديث على – رضوان الله عليه أنه حمل على عسكر المشركين فما زالوا يبقطون أي ينقادون إلى الجبل متفرقين وهذا من معاني البقط التي أوردها ابن منظور أيضاً في لسان العرب (18).
ومن معانيها الأخرى كذلك "البقط قماش البيت " (19).
وقد أورد بعض المؤرخين المسلمين أن المعنى مأخوذ من الفعل بقط ف "بقط الشيء" فرقة ، والبقط : أن تعطى الجنة على الثلث، فيكون معناه على هذا : بعض ما في أيدي النوبة (20).
وأما الذين يرون أنها غير عربية فقد اختلفوا في أصلها فقيل أنها ترجع إلى لفظ مشتق من أصلين : الأول لاتيني يوناني الأصل وهو Pactumومعناها الاتفاق والموادعة والثاني مصري قديم وهو – باق – ومعناها الضريبة التي توضع عينا (21).
وقال آخرون : إنها كلمة ( فرعونية ) قديمة وهيpakt وتعني العهد والموادعة (22).
في حين ترد بمعنى فرعوني قديم أخر هو الصيد (23) أما المعني الاصطلاحي في هذا البحث فهو ما يقبض من سبي النوبة في كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عنهم (24).
نصوص المعاهدة:
إن أهم ما يلفت نظر الباحث المدقق في روايات ونصوص المعاهدة بحسب ما وردت في المصادر التاريخية مدى التباين الكبير والخلاف حول عدد من شروطها ومسار تطبيقها الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات وللإجابة عليها كان لا بد من الوقوف على أهم المصادر التي تحدثت أو نقلت نصوص المعاهدة واهتمت بها ومن أهمها رواية المؤرخ المعروف أحمد بن على المقريزي الذي عاش في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي ، وتأتي أهمية روايته – بالرغم من أنه مؤرخ متأخر – بسبب انفراده بذكر النص الكامل لمعاهدة البقط بخلاف المؤرخين الآخرين الذين أوردوا أجزاء منها في مؤلفاتهم مثل الطبري وابن عبد الحكم ، والمسعودي وغيرهم من كبار المؤرخين المتقدمين القريبين من زمان وأجواء توقيع المعاهدة.
نص معاهدة البقط بحسب رواية المقريزي:(25)
عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي السرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته ، عهد عقده على الكبير والصغير بين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمة .. إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ألا نحاربكم ولا ننصب لكم حرباً ، وأن لا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم ، على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه ، وعليكم حفظ من نزل بلادكم أو بطرفه من مسلم ، أو معاهد حتى يخرج عنكم ، وأن عليكم رد كل آبق خرج إليكم من المسلمين حتى تردوه إلى أرض الإسلام ولا تستميلوا عليه ولا تمنعوا منه.
وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منه مصلي ولا تعرضوا لمسلم قصده وجاور فيه إلى أن ينصرف عنه وعليكم كنسه وإسراجه وتكرمته.
وليس على مسلم دفع عدو عرض لكم ولا منعه عنكم من حد أرض علوة إلى أرض أسوان.
فإن أنتم قتلتم مسلماً أو معاهداً أو عرضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم ، أو منعتم شيئاً من الثلاثمائة رأس والستين رأساً برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمة المسيح وذمة الحواريين وذمة من تعظمونه من أهل دينكم وملتكم .
الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك

وكتبه عمرو بن شراحيل في رمضان سنة 31هـ.*


ــــــــــــــ

  • عن المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ( بتصرف ).


ثانياً:الآثار الحضارية والثقافية للمعاهدة

ظل سجل الثقافة النوبية حتى مرحلة ما قبل توقيع معاهدة البقط يتأرجح في تفاعل بين ثقافتي الزنوج والحاميين من جهة ، وما طرأ عليها من مؤثرات خارجية على رأسها الأثر المصري من جهة أخرى. فقد كان للحضارات المصرية التي قامت على حوض النيل الشمالي أثر كبير على الشعوب التي سكنت من حولها بوجه عام ، وعلى بلاد النوبة على وجه الخصوص ، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في مقدمات هذه الدراسة ، حيث أدت تلك العلاقة إلى تسرب الأفكار ، والمعتقدات ، والطقوس ، والعادات ، والتقاليد كنتاج طبيعي أو حتمي للصلات الفكرية والتجارية التي كانت قائمة بين البلدين ، فكان قدماء المصريين يعتبرون ديار جيرانهم إلى الجنوب بمثابة مصدر هام للمنتجات الإفريقية ومدخلاً رئيسياً لها ، فتوغلت القوافل التجارية منذ الدولة المصرية القديمة محملة بأدوات الزينة والحلي والأسلحة ، وكانت تعود بالذهب ، والزمرد ، والرقيق ، والأبنوس ، والعاج ، وبازدهار هذه العلائق التجارية توغل التجار جنوباً ، وأثروا تأثيراً حضارياً كبيراً ، مما جعل بعض المؤرخين يذهبون إلى أن هذه الأجزاء من النوبة خضعت لفترات طويلة للاحتلال المصري المباشر ، وقد تجلى ذلك في كثير من مظاهر الحياة النوبية في جانبها الثقافي والحضاري ، مما لا تزال مشاهده وآثاره باقية في أشكال الأواني الفخارية ، ومدافن الموتى ، وطريقة الدفن ، وبناء قصور الملوك ، إضافة إلى انتشار المعابد المصرية والرسومات الهيروغلوفية ، وتفشي عبادة الآلهة المصرية جنباً إلى جنب ، مع بعض الآلهة الوطنية المحلية ، كما بقيت الأهرامات ، وطريقة دفن النوبيين لموتاهم في البركل ، ومروي ، وكبوشية ( 26 ) ، خير شاهد على ذلك الأثر الثقافي المصري القديم ( 27 ) وما أن ازدهرت الديانة النصرانية في العهد النصراني في بلاد النوبة ، حتى صبغت البلاد بكثير من مظاهر ثقافتها ، وتمثل ذلك في تحويل المعابد القديمة إلى كنائس ، وتم تشييد الكاتدرائيات التي ملئت بالزخارف والنقوش ، وبعض المشاهد من الإنجيل وصور القديسين ( 28 ) ، وظهر الأثر البيزنطي في التحف الفنية التي عثر عليها في كنيسة فرس ، إضافة لقطع الفخار وصور الحيوانات التي ظلت تمثل تقليداً وطنياً كان منتشراً في مملكة علوة ( 29 ) ، كذلك يلاحظ الأثر النصراني القبطي في استخدام اللغة القبطية في أداء الطقوس الدينية الكنسية ، وقد ترجمت فيما بعد إلى اللغة النوبية ( 30 ) ، وكان كل ذلك بسبب هيمنة الكنيسة المصرية على الكنيسة النوبية ، بل أضحت الكنيسة المصرية هي التي تقوم بتعيين وإرسال الأساقفة للكنيسة النوبية ( 31 ) ، ومع ذلك بقيت بعض العادات ، والتقاليد النوبية الوثنية سائدة في المجتمع النوبي (32) ، ومما يؤكد ما وردت الإشارة إليه سابقاً من أن العقيدة النصرانية لم تتفاعل مع مشاعر الجماهير ، بل إنها فرضت على الناس فرضاً ، إلى أن ذلك لا يمنع من القول : إن النصرانية قد ساهمت في تعديل ، وتهذيب كثير من هذه العادات والتقاليد الوثنية النوبية ، وبسطت بعض مفرداتها اللغوية والثقافية في البلاد ، وعاشت جنباً إلى جنب في المجتمع النوبي مع المورثات الثقافية الوثنية ، حتى تمكن الإسلام في البلاد.
أما بعد توقيع معاهدة البقط فقد حدثت الكثير من المؤثرات والمتغيرات التي كان من أهم نتائجها تحول مسار البلاد من النصرانية إلى الإسلام ، ولعله من المهم أن نشير إلى أن ذلك التحول لم يتم سريعاً ولم يشمل بسطاً حاسماً لتعاليم الإسلام . وإنما حدث ذلك انسيابياً متدرجاً اصطحب معه انتشار عدد من الظواهر التي من أهمها:
من المهم جداً أن يدرك دارسوا حركة مسار الدعوة الإسلامية إن انتشار الإسلام يعني حقيقة انتشاراً لظواهر ثلاث متلازمة هي:
1- انتشار تعاليم الإسلام والشريعة الإسلامية بمعانيها الواسعة.
2- انتشار الثقافة العربية الإسلامية.
3- انتشار اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم ، والعبادة ، والخطاب الإسلامي.
(( ولا يفهم من ذكر هذه الظواهر على هذه الصورة أن كل ظاهرة منها كانت منفصلة عن الأخرى تماماً ، إنما كانت مختلطة متشابكة تسير جنباً إلى جنب ، وتتفاعل كلها في وقت واحد وتخضع لمؤثرات تكاد أن تكون واحدة )) (33).
وقد خضعت الثقافة الإسلامية وانتشارها لذات الظروف التي خضعت لها الحضارة الإسلامية ومرت بالتطورات نفسها التي مرت بها الحضارة الإسلامية.
فقد جابهت الثقافة الإسلامية في إفريقيا المشكلة نفسها العامة التي جابهتها الثقافة الإسلامية في العصور الوسطى ، وهي مشكلة أو ظاهرة الالتقاء الثقافي ، بل هي المشكلة نفسها التي تواجهها الحضارات الإنسانية عموماً حين تلتقي وتختلط ، وتتبادل التأثيرات ، فمثلاً في مصر التقت الثقافة الإسلامية الوافدة بثقافات إغريقية مصطبغة بصبغة الحضارة المصرية القديمة (34) ، هذا الالتقاء أظهر طرازاً من الحضارة الإسلامية متأثراً في طابعه العام ببعض هذه الثقافات ، أي أن ذلك يعني (( أن الإسلام أخذ وأعطى ، ومن هذا الأخذ والعطاء ظهرت الحضارة الإسلامية في مصر )). (35)

وقد ورد فيما سبق أن النوبة قد وقعت مع المسلمين ( عهد البقط ) بشرائطه تلك ، وظل ذلك العهد يمثل نوعاً من الاتصال الدائم بين المسلمين والنوبة مدة ستة قرون ونيف ، وتسربت خلالها المؤثرات الإسلامية مع القبائل العربية التي بدأت تتغلغل هناك مند القرن الثاني للهجرة ، على الرغم من أن المعاهدة كانت تعطيها حق الدخول في النوبة مجتازة لا مقيمة ، إلا أن هذه القبائل تقدمت في هجرتها وتوغلت جنوباً ، واستقرت قطاعات عريضة منها في شرق ووسط وغرب السودان ، حتى وصل هذا الوجود إلى الحبشة ودارفور في أواخر القرن السادس الهجري (36).

وخلاصة الأمر أن الوجود العربي الإسلامي في بلاد النوبة لم يظل حبيس المناطق الشمالية ، بل ظل يمتد على الدوام ، ويتوسع جنوباً مع كل ركب نازح ، أو هجرة لقبيلة ، أو جماعة من المسلمين تدفعهم إلى ذلك دواعي نشر العقيدة الإسلامية ، وبسط دعوتها ، إضافة ، إضافة إلى دوافع أخرى أمنية وسياسية واقتصادية, وانفتحوا على السكان الوطنيين من نوبيين ، وبجة ، وزنج ، وغيرهم ، فصاهروهم وأحدثوا مؤثرات كبرى في حياة النوبيين ، بما حملوه معهم من دعوة ، وثقافة ، ولغة ، ونظام حياة ، وقد قويت شوكتهم ، وأصبحوا مستظهرين على جميع من جاورهم هناك من النوبة والبجة إلى سنة أربع ومائتين (37).
ثم إن المعاهدة ضمنت للمسلمين فتح بلاد النوبة للتجارة ، والسماح لتجارهم بارتياد البلاد على أن لا يقيموا فيها ، فكان التجار من أهم وسائل نشر الثقافة الإسلامية في بلاد النوبة ، وهو دور لا يستبعد أن يكون ولاة المسلمين قد توقعوه من هذه الفئة المعروفة بنشاطها في مجال نشر الدعوة ( 38) ، وعلى أثر ذلك الاتفاق توغل التجار إلى أعماق بلاد النوبة ، ومع أنهم كانوا منصرفين إلى الأعمال التجارية في المقام الأول إلا أنهم كانوا رواداً في نشر تعاليم الإسلام بين الوطنيين ، واستطاعوا بما كسبوا من معرفة لأحوال البلاد،
ونقلهم تلك المعرفة لمواطنيهم تمهيد الطريق لهجرة القبائل العربية في أعداد كبيرة (39).
كذلك من أهم وسائل انتقال الثقافة الإسلامية وانتشارها وسط النوبيين الأفراد والمجموعات التي شاركت في الحملات التي سيرها سلاطين المسلمين ، وولاتهم على النوبة عند إغارتها على جنوب مصر ، أو تراخيهم عن التزامهم بدفع ما عليهم من ( بقط ) ، حيث كانت أعظم هذه الحملات ، وأكثرها على بلاد النوبة في العهد المملوكي (40) ، وقد استغل هؤلاء الجنود فرص الأمن والحماية ، وحق التوغل التي كفلها لهم عهد البقط ، فاستقروا هناك بعد أن خلعوا عنهم صفات الجندية الرسمية ، وهو الأمر الذي طمأن النوبيين ، فزوجوهم من بناتهم ، وتوثقت الصلات بينهم فنقل إليهم هؤلاء المحاربون القدامى كثيراً من المؤثرات الثقافية الإسلامية ، وبالإضافة لهذه الجهود كانت هنالك جهود بذلها الدعاة الذين حملوا هم الدعوة ، ونقلوا كثيراً من مظاهر الثقافة الإسلامية للنوبيين ، والتاريخ ملئ بالشواهد الدالة على مدى توفيقهم في دعوتهم ، ولذلك أسباب منها حماسهم الديني ، وما اتصف به الإسلام من بساطة ، ووضوح ، إضافة إلى أنهم في كثير من الأحيان كانوا يصاهرون القبائل الوثنية فيعينهم حق الأم على توطيد مراكزهم في الأسر (41) ، وقد ساهمت كل تلك العوامل في نشر الثقافة الإسلامية وسط أهل النوبة المسلمين الذين تأثروا بها تأثيراً مباشراً ، بل تجاوز هذا التأثير الإسلامي هؤلاء المسلمين إلى غيرهم الذين بقوا على نصرانيتهم وإلى ألوثنيين منهم (42) .
وهذا لا يعنى أن الثقافة الإسلامية قضت تماماً على الموروثات الثقافية النوبية ، إذ إن ما حدث كان نوعاً من التثاقف تخلله انتقال بعض الموروثات من العادات والتقاليد بين الطرفين ولذلك نجد أن النوبة لم تتخل عن كل ما هو قديم وتليد من تراثهم ، لأن ذلك فطرة الإنسان من حيث هو كائن ،يرعى تراث الآباء والأسلاف ويفاخر بما خلفوه له ، بل وينظر إليه على أساس أنه تراث يجب حفظه ، والدفاع عن بقائه ، إضافة إلي أن الإسلام لم يطلب من الذين اعتنقوه وأقبلوا عليه التخلي عن كل موروثاتهم القديمة ما دامت لا تتعارض مع تعاليمه ، وقد أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض من عادات العرب في الجاهلية ما لم تكن مخالفة لتعاليم الإسلام – كما سبقت الإشارة إليه – بل إنه أثنى على بعض تلك الموروثات ، وأشار إلي أنه لو دعي إليها في الإسلام لاستجاب وشارك فيها ، مثل حلف الفضول الذي حضره صلى الله عليه وسلم في دار عبد الله بن جدعان بمكة المكرمة قبل مبعثه (43) ، إضافة إلى أن منهج الإسلام في التعامل مع ذلك الموروث هو العمل على تهذيبه ، وتنقيته مما يتعارض مع الدين ، وهذا ما حدث في كل المناطق التي أقبلت على الإسلام في إفريقيا ، ونشأت بذلك بيئات حضارية محلية لكل بيئة مقوماتها الخاصة ، واتجاهاتها الخاصة كذلك، ولكن تجمعها في إطار واحد صفات إسلامية مشتركة من وحدة الدين ، واللغة ، والمثل (44) ، ويمكن أن نسمي ما حدث في النوبة نوعاً من الملائمة – أو المثاقفة – كما أشرنا إلى ذلك سابقاً بين المحلي الموروث وبين الإسلامي المكتسب ، وقد تبدت بعض مظاهر تلك الثقافة الوليدة عند السلاطين والحكام في طريقة جلوس للقضاء في المظالم ، أوفي لباسهم وفي المحيطين بهم ، واستخدم بعضهم للطبول المصنوعة من القصب والقرع حيث يلاحظ ذلك كثيراً في بعض المجتمعات التي تحولت للإسلام حديثاً خصوصاً في غرب إفريقيا وغيرها (45) ، إضافة لما ذكره بعض المؤرخين الذين شهدوا تلك الممالك ، ومن وصف للقصر ولحياة السلطان ، واستخدامه لبعض المناصب والمصطلحات الإدارية ، مثل : نائب السلطان ، والفرادية الأمراء ، والتراجمة (46) ، وقد أشار بعض المؤرخين إلى تفشي هذه الظواهر نفسها عند السلاطين ، الذين ورثوا الممالك النوبية ، فيبدو الأثر الإسلامي واضحاً في عاداتهم وأخلاقهم وفي الألقاب ، والنظم والرسوم (47) .
أيضاً من مظاهر تأثرهم بالثقافة الإسلامية ما عثر عليه في منطقة مينارتي – شمال دنقلة – من كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماءً عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين (48) ، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/927م ( 49 ) ، كما عثر في المنطقة نفسها على مقابر نوبية عليها كتابات باللغة القبطية ، تحمل تاريخاً مزدوجاً من التقويمين ، القبطي ، والهجري ، ويبدو أنها من آثار جاليات عربية ، ثبت أنها استقرت هناك منذ القرن الثالث الهجري ( 50 ) ، بل تظهر بعدها كتابات لا تحمل سوى التاريخ الهجري وترجع إلى القرن نفسه ( 51 ) .
وإذا كان هذا الأثر الإسلامي قد تبدى فيما كتب على شواهد القبور هذه ، فإنه يتوقع أن يكون هذا الأثر قد صاحب كل المراحل التي تمر بها حالات الموت والوفاة ، بدءاً من غسل الميت وتكفينه حسب تعاليم الإسلام ، ثم الصلاة عليه في وضع خاص باتجاه القبلة .
ومن مظاهر انتشار الثقافة الإسلامية وسط النوبيين اتخاذهم للأسماء العربية ، وتسميتهم بها ، فتتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي في تلك المبكرة كان اسمه قمر الدولة كشي ( 52 ) ، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة ، مثل: يزيد بن أبي حبيب ، وذو النون المصري النوبي الأصل ( 53 ) ، وتحية النوبية الزاهدة ( 54 ) ، وغيرهم من النوبيين الذين تسموا بالأسماء العربية وتخلوا عن الأسماء المحلية.
كذلك من المؤثرات الثقافية التي انتقلت إلى النوبيين من المسلمين اتخاذهم الحوادث التاريخية الشهيرة مناسبات يؤرخون بها ، إذ كان العرب يؤرخون بالحوادث العظيمة في حياتهم كسيل العرم ، وبناء الكعبة ، وحرب البسوس ، ويوم حليمة وغيرها ( 55 ) ، فاتخذ النوبيون والعرب المستعربون في بلاد النوبة حوادث : كسنة البعوضة ، وسنة الفار ، وقبلة العقال ، وأصبحوا يؤرخون بها ( 56 ) .
وفي مجال العقوبات والجنايات بدأ الأثر الثقافي الإسلامي واضحاً في حياة النوبيين الذين كان من أعرافهم الاجتماعية طرد من يرتكب جريمة السرقة من القرية ( 57 ) ، إضافة إلى أن بعضهم كان في حالة طلاقه زوجته يستولي على جهازها ، ثم يحلق رأسها ، ووجود هذه الشرائع والأعراف في المجتمع النوبي يؤكد ضعف الأثر النصراني في البلاد ، إذ أنها تقاليد وأعراف محلية تتنافى حتى مع التعاليم النصرانية وبعد تمكن الإسلام وبسط تعاليمه تأثروا به وبآدابه في التعامل مع مثل هذه المواقف ، ومع الجنايات ، فتقلصت إلى حد كبير تلك العادات والثقافات الوثنية الموروثة التي ظلت سائدة تحكم الحياة الاجتماعية للنوبيين وتوجهها.
هذا ولم يقف أثر الثقافة الإسلامية على عامة النوبيين فحسب ، بل نجده قد تجاوزهم إلى ملوكهم وحكامهم الذين عرفوا الكثير عن الإسلام وأركانه ، وفرائضه ، وسنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن سيرته صلى الله عليه وسلم ، وعن أنساب القرشيين وقرابة الصحابة ، والأسر الحاكمة بعضها من بعض ، فيتضح ذلك من نص الحوار الذي دار بين عبيد الله بن مروان بن محمد – آخر الولاة الأمويين على مصر – حين فر إلى بلاد النوبة خوفاً من العباسيين الذين أرسلوا في طلبه ، وبين ملك النوبة حين علم بقدوم عبد الله ودخوله أرض بلاده ( 58 ) ، إذ يبدو الأثر الإسلامي واضحاً في الحوار الذي جرى بين الملك النوبي وبين عبيد الله بن مروان بحسب ما ذكرته المصادر التاريخية ، حيث ابتدر الملك النوبي ابن مروان Sad( كيف سلبتم ملككم ، وأنتم أقرب الناس إلى نبيكم ؟ فقال عبد الله : إن الذي سلب منا ملكنا أقرب إلى نبينا منا ( يقصد بذلك بني العباس ) ، قال له ملك النوبة: فكيف أنتم تلوذون إلى نبيكم بقرابة وأنتم تشربون ما حرم عليكم من الخمور ، وتلبسون الديباج وهو محرم عليكم ، وتركبون في سروج الذهب والفضة وهي محرمة عليكم ، ولم يفعل نبيكم شيئاً من هذا ؟ )) ( 59 ) ، بيد أن النوبيين كانوا ينظرون إلى المسلمين على أنهم أصحاب حضارة وثقافة أرقى وأسمى فما كانوا ليترددوا في الإقبال عليها والأخذ منها ، ومما يؤكد نظرتهم تلك مبادرة الملك النوبي إلى يد الأمير عبد الله وتقبيلها حين التقيا ( 60 ) ، بالرغم من أن عبد الله لم يكن رأس الدولة الإسلامية ، وإنما هو أمير من الأمراء ، أو والي من الولاة هرع إلى المنطقة يطلب الأمن والأمان.

انتشار اللغة العربية:
لقد سبقت الإشارة إلى أن أي انتشار للدعوة الإسلامية في الحقيقة يمثل انتشاراً لثلاث ظواهر:
1- انتشاراً للعقيدة الإسلامية والشريعة.
2- انتشاراً للثقافة العربية الإسلامية.
3- انتشاراً للغة العربية، باعتبارها لغة القرآن الكريم.
وهذا لا يعني بأي حال أن كل ظاهرة من هذه الظواهر منفصلة عن الأخرى ، بل هي ظواهر متداخلة تسير جنباً إلى جنب ، وتتفاعل كلها في وقت واحد ، وتخضع لمؤثرات واحدة كذلك ( 61 ) .
وقد انتشرت اللغة العربية ، وازدهرت بعد توقيع معاهدة البقط وفتح بلاد النوبة لهجرة القبائل العربية ، ولم يحدث ذلك في يسر وسهولة ، بل صارعت كثيراً من اللغات واللهجات التي كانت سائدة في تلك المناطق ونافستها ، وخرجت من ذلك متغلبة عليها على مر الأجيال ، وعبر الحقب التاريخية المختلفة وقد ساعدت عوامل كثيرة في ذلك الانتشار أهمها الآتي:
العامل الديني: فحيثما انتشر الإسلام واستقرت قواعده انتشرت اللغة العربية ، وقد ساعد على ذلك ما أجمع عليه أغلب أئمة المسلمين من عدم جواز ترجمة القرآن الكريم ، وعدم جواز كتابته بغير العربية ، وعدم جواز القراءة بغير العربيـة في الـصلاة ( 62 ) ، : فهي لغة العبادة في الإسلام ، لذا أقبلت عليها الشعوب المختلفة التي اعتنقت الإسلام ، تحاول تعلمها ، ومعرفة ألفاظها ومعانيها ، ومعاني القرآن الكريم ، حتى تصح العبادة ، وتؤدى على الوجه الصحيح المطلوب.
وهناك عوامل لغوية أيضاً: ساهمت في انتشار العربية ، لأن انتشار الدين وحده ليس كافياً في تعليل سرعة هذا الانتشار ، إذ أن انتشار الإسلام كان أسبق من تعلم العربية بعدة قرون ، وهذا العامل هو وجه القرابة بين اللغة العربية وبين أخواتها الساميات في كثير من المظاهر الصوتية واللفظية والنحوية من جهة ، وبين اللغات السامية والحامية من جهة أخرى ، مثل ذلك التشابه بين اللغات السامية والقبطية في الضمائر ، وأسماء العدد والتثنية وقواعد الصرف ( 63 ) .
إضافة لذلك هناك العامل الحضاري: فالمعلوم أنه إذا التقت لغة ذات تراث حضاري متفوق مع أخرى حظها من التراث قليل فإن الأمر ينتهي بسيادة اللغة العريقة التراث والثقافة ، وهذا ما حدث في كثير من المناطق التي انتشر فيها الإسلام في القارة الإفريقية.
وبالنسبة لبلاد النوبة فإن ( معاهدة البقط ) قد ظلت تمثل الركن الأساس في مسار العلاقة بين البلدين ، وفي فترة سريانها تسربت المؤثرات الإسلامية في هدوء ، أدى في نهاية الأمر إلى تغيير مسارها الديني ، والسياسي والاجتماعي ، ولم يحدث ذلك التأثير إلا عبر مراحل مختلفة ، وفترات طويلة من المجاهدات والإسهامات التي قدمها المهاجرون من الدعاة والتجار والأفراد والرعاة ، وقد تبدت تلك المؤثرات في كثير من مظاهر الحياة النوبية.
أما ظاهرة انتشار اللغة العربية فقد كانت محدودة في أول الأمر، وبدأت الجماعات العربية الأولى التي استقرت في بلاد النوبة نشر الإسلام وسط النوبيين بعد أن تعلموا لغتهم، فسهلت مهمتهم بذلك ( 64 ) .
وليس معنى هذا أن اللغة العربية لم تنتشر بين النوبيين في هذه الفترة المبكرة ، ذلك أننا نجد كثيراً من الدلائل تشير إلى انتشارها في البلاد ، منها وجود كتابات في مقابر نوبية باللغة القبطية ، تحمل تاريخاً مزدوجاً للتقويمين القبطى والهجري ، ثم تظهر بعد ذلك كتابات من هذا النوع لا تحمل سوى التاريخ الهجري (65) ، ثم في مراحل متقدمة تظهر شواهد قبور مكتوبة بالخط العربي تحمل أسماء عربية ترجع إلى القرن الثالث الهجري ( 66 )
وفي هذه الفترة المبكرة ظلت اللغة العربية الفصحى لغة العبادة فقط إلى جانب اللهجة المحلية الدارجة لكل قبيلة (67) ، أما لغة الأدب والخطابة والمحادثة فكانت الدارجة وحدها ، وقد ساعد على احتجازها في هذا الجانب قلة عدد المتعلمين منهم ، واشتداد العصبية القبلية ، وصعوبة الاتصال بين الجماعات المتناثرة في أنحاء النوبة المختلفة ( 68 ) ، إضافة إلى أن اللغة النوبية كانت متمكنة في البلاد ، إذ إنها تمثل إحدى اللغات الحامية التي هاجرت إلى النوبة في فترة ترجع إلى القرن الثالث قبل ميلاد المسيح ( 69 ) ، ومع تحول ملوك النوبة للنصرانية ترجمت بعض النصوص الدينية إلى اللغة النوبية ، لكنها لم تكن لغة الشعائر والطقوس ، إذ ظلت اليونانية والقبطية هما لغتا الكنيسة النوبية ( 70 ) ، لكنها لم تتمكن في نفوس النوبيين ، رغم كونها لغات حية لها آدابها وعراقتها ووسعها ، وذلك بسبب أنها بقيت كلغة للشعائر الدينية محصورة في الكنيسة ، فلم تغادرها أصلاً ، فضلاً عن عدم فهم النوبة لها وتجاوبهم معها.
ولم يعرف النوبيون الذين اعتنقوا الإسلام في هذه الفترة المبكرة أداء الشعائر الإسلامية المفروضة على الوجه التام المطلوب ، ففي الصلاة مثلاً لم يعرف قطاع كبير منهم منها إلا التهليل والتكبير ( 71 ) ، ومرد ذلك إلى قلة الفقهاء والمتعلمين ، أو المتخصصين في علوم اللغة ممن وفد إلى النوبة ، إضافة إلى أن البلاد لم تشهد حركة علمية واسعة لها نشاطها ، ولم تكن كذلك ثرية ثراء الحركات العلمية التي قامت في بقية البلدان الإسلامية الأخرى ، ولم يكن لعلمائها شهرة وصيت ، مثلما كان العلماء في تلك البلاد (72 ) .
إلا أن ذلك لم يحل دون تسرب كثير من المفردات والألفاظ العربية إلى اللغة النوبية ، حتى أضحت في فترات متقدمة تمثل 30% من مجموع ألفاظ ومفردات اللغة النوبية (73 ) ،ومع مرور الزمن ، وكثرة اختلاط العناصر العربية مع النوبيين تحولت العربية من كونها لغة عبادة وشعائر إلى أن تصبح لغة ثانية بعد اللغة العامية النوبية ، وأصبح النوبي يتحدث بها في معاملته التجارية مع التجار العرب ، والتجار الآخرين القادمين من بلاد البجة ، وعلوة وغيرها ، فأصبحت العربية بذلك لغة تخاطب بينهم ، وقاسماً مشتركاً بين النوبيين أنفسهم ، حيث يتكلم بها النوبي ، إضافة للغته المحلية (74 ) .
على أن اللغة العربية التي انتشرت في النوبة لم تكد تخلو من ظهور بعض الاختلافات الشكلية بين اللهجات العربية القبلية ، ويظهر أن هذا التعدد يعود بأصولها إلى لهجات أقدم منها عاشت في شبه الجزيرة العربية (75 ) ، بيد أن هذه الاختلافات الشكلية بين اللهجات العربية لا تعدو أن تكون تغيراً طفيفاً في النطق ، أو تغييراً لبعض الحروف والحركات بالإبدال أو الحذف ، وقد حصرها بعض الباحثين في أربعة مسائل ( 76 ):
1- تغيير نطق بعض الحروف.
2- تغيير الحركات.
3- حذف بعض الأصوات.
4- تغيير مدلول الكلمة.
إلا أن هذه الفروق لا تُمثل اختلافاً جوهرياً يحول دون قيام ثقافة ذات مضمون وجوهر واحد ، إضافة كونها فوارق لا تمثل حاجزاً لغوياً يقف حائلاً دون وحدة الثقافة ، والدليل على ذلك ما يشاهد اليوم في سودان وادي النيل ، فرغم ما بين اللهجات العامية من فوارق في النطق والحركات والأصوات ، وأحياناً تغيير مدلول الألفاظ والكلمات ، إلا أن أهل السودان تنتظمهم ثقافة واحدة ، وهي الثقافة الإسلامية العربية ( 77 ) .
هذا وقد ظلت اللغة العربية تتقدم في المنطقة تبعاً لتقدم الإسلام الذي استمر انتشاره تبعاً لتوغل القبائل العربية في بلاد النوبة ، حتى عم أجزاء كبيرة في شرقي ووسط وغربي بلاد السودان ، حيث وصل إلى بلاد الحبشة شرقاً ودارفور في غرب السودان في أواخر القرن السادس الهجري ( 78 ) ،وتمكنت اللغة العربية بذلك من إضعاف استخدام اللغات المحلية في أوساط تلك المجتمعات ( 79 ) .
إضافة إلى ذلك فقد أسهم الشيوخ من الدعاة الذين وفدوا إلى النوبة ، واستقروا في دنقلة ، وقرروا البقاء هناك – مساهمة كبيرة في نشر تعاليم الإسلام واللغة العربية بعد أن هالهم ما رأوا من جهل مستشر بتعاليم الدين والعقيدة الصحيحة ، فأخذوا يعمرون المساجد ، ونشؤون المدارس وحلق تعليم القرآن الكريم وحفظه ( 80 ) .
فكان لتلك الحركة العلمية على بساطتها ، وضعفها أثر واضح في انتشار اللغة العربية ، وذلك بإقبال الأهالي على هؤلاء الدعاة للتعلم منهم، والتتلمذ على أيديهم.
على أن اللغة العربية لم تسلم من دخول بعض المفردات النوبية عليها لكنها بقيت واضحة كألفاظ غريبة ودخيلة عليها ، ولم تؤثر في جوهرها ، وتتمثل في أسماء بعض الأدوات والصناعات التي لم يعرفها العرب في جزيرتهم ، فظلت هذه الأسماء مستعملة في اللغة العربية في معظم سودان وادي النيل.


ثالثاً

مساهمات النوبيون الفكرية والعلمية
في الحضارة الإسلامية

وأما الاتجاه الخاص بنقل النوبيين إلى مصر وفتح الباب لهم للهجرة إلى هناك فقد كان من أغراضه جلبهم لمصر " لتربيتهم داخل المجتمع المسلم ليتشربوا عقيدته وثقافته ولغته وربما اعتنقت أعداداً كبيرة منهم الإسلام فتكون قوة للمجتمع المسلم أو يرجعون إلى ديارهم فيصبحوا دعاة بين أهليهم وهذا ما حدث بالضبط خلال القرن الإسلامي الأول (81). وأصبح هؤلاء بتكاثرهم وتعاظم أعدادهم مشاركون في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في مصر (82) .
ففي المجال السياسي نجدهم قد أدوا دوراً هاماً في هذا المضمار لا سيما منذ الفترة التي أخذت فيها الدول الإسلامية تولي مناصبها الإدارية والعسكرية للعناصر غير التي دخلت الإسلام حديثاً، إذ من المعروف أن الخليفة العباسي المعتصم ( 218- 223هـ / 833-842 م ) عمل على تدعيم سيادة العنصر التركي وبالتالي كسر شوكة بعض العناصر العربية ، ولقد انعكست هذه السياسة التي انبعثت من قلب الدولة الإسلامية على مكانتهم في مصر ، ذلك أن المعتصم كان قد أمر واليه على مصر اكيدر نصر بن عبد الله بإسقاط بعض العناصرالعربية من دواوين الدولة . وقطع العطاء عنهم وكان ذلك في شهر رجب سنة ثمانية عشر ومائتين 218 (83) ، وانتهجت الحكومات التي تعاقبت على مصر النهج نفسه والسياسة ذاتها ومن ثم كان العنصر النوبي من العناصر التي وجدت طريقها إلى الحياة السياسية والعسكرية بعد تصفية العناصر العربية في تلك المجالات ، ففي عهد الدولة الطولونية أصبح النوبيون يشكلون قوة لا يستهان بها في الجيش الطولوني ، كما زاد عددهم بصورة جعلت أحمد بن طولون يخصص لهم قطيعة من القطائع ( 84 ) ، التي كان قد أقامها لسكن العناصر المختلفة التي وردت إلى مصر ، وهناك مثلاً قطيعة لأهل النوبة كانت تعرف بهم (85) ، وفيما يبدو أن أعدادهم قد زادت في مصر ودخلت طوائف كثيرة منهم في الإسلام حتى أن أهل مصر رفعوا شكوى لأحمد بن طولون بسبب ضيق المسجد يوم الجمعة بسبب تدفق الجنود النوبيون فكان أن أمر أحمد بن طولون نتيجة لذلك ببناء مسجد جديد بجبل يشكر (86) .
وعندما قامت الدولة الإخشيدية بمصر استمر هؤلاء النوبيون يشكلون قوة هامة في جيشها ، حيث نجد أن محمد بن طفج الإخشيدي مؤسس هذه الدولة يجند عدداً كبيراً من النوبيين في جيشه ، وربما كان السبب في ذلك تدعيم مكانة هؤلاء النوبيين في تلك الدولة ما يقال أن كافور الإخشيدي – في الأصل كان من بلاد النوبة (87) ، وذلك استناداً على قصيدة للمتنبي يهجو بها كافورا وكان المتنبي قد وصف كافورا في هذه القصيدة (بالأبي) نسبة إلى الأبه وهي موضع ببلاد النوبة كما ورد (88) ، فقد جاء في تلك القصيدة قول المتنبي:

كان الأول الأبي فيهم غراب حوله رخم وبوم (89)

ومهما يكن من أمر فقد تبوأ كافور مكانة عالية في الدولة الإخشيدية وبسط سيطرته عليها وكان من الطبيعي أن يجند كافور خلال فترة حكمه كثيراً من النوبيين في الجيش ، لضمان حمايته مما قد يتهدد وضعه الأمني والسياسي ، وهؤلاء بحسب قرابته وأصوله خير من يدافع عنه ويناصره عند الحاجة إلى القتال والمدافعة ، إضافة إلى استخدامهم في ضبط نظام الدولة العام وأمنها الداخلي لما يجد عندهم من الطاعة والالتزام مما يجده عند غيرهم.
وكان للنوبة أيضاً مشاركتهم السياسية في العهد الفاطمي والعهدين الأيوبي فالمملوكي (90).
ولم يقتصر دور هذه العناصر النوبية في المجال السياسي والأمني والاقتصادي فحسب بل كان لفئات منهم مشاركات إيجابية في الحياة العربية الإسلامية في مصر (91) ، فتتحدث المصادر عن رجل نوبي يدعى صبيح بن عبد الله الخازن استطاع أن يتبوأُ مقاماً كبيراً في بلاط السلطان الإشراف خليل بن قلاوون وذلك بفضل ما كان يتمتع به ذلك الرجل النوبي من صفات خلقية حسنة – كالتدين وحب الخير ، كبر مقامه عند الإشراف ورجال بلاطه أنهم لا ينادونه قط إلا بلفظ ( يا أبي ) مما يدل على احترامهم وتقديرهم له ، وقد توفي سنة 775هـ وخلف مالاً كثيراً وكان يوصف بخي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://saadhamdy.yoo7.com
 
قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط وآثارها الحضارية والثقافية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نصوص ووثائق وملحقات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل
» تعديل نصوص العمل بقانون التجارة فى الشيك المصرى
» جودي فوستر" جديدة تبحث عن صوت من خارج الأرض
» معاهدة لندن
» معاهدة دمنهور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات محبى سيناء :: سياسى :: المعاهدات والاتفاقيات-
انتقل الى: