من تميل اليهم قلوب العباد بالاضطرار لا الاختيار

يقول الله سبحانه وتعالى في أواخر سورة مريم ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا))

وهي آية تستدعي الوقوف عندها مليا لتأمل ما فيها من معنى عظيم ومن سر بديع ومن نداوة رخية تمس القلوب وتسحر العقول وتأخذ بالألباب وتناجي الروح.. عبر الله سبحانه وتعالى هنا ( بالود) وهي كلمة تمس شغاف القلب وتريح النفس فالود نتيجة بركة العمل الصالح الذي يعمله المسلم ويتقرب به الى ربه وخالقه.. فيكون أثر ذلكم العمل ان يغرس الله سبحانه وتعالى حب هذا الانسان في قلوب الخلق وتتحرك نفوسهم اليه دون تدخل بشري ودونما وساطات او قرابين .. حب يخالط قلوب المحبين فتتجه من خلاله القلوب والارواح نحو هذا الانسان بسبب عمله الصالح وبركة فعاله الخيره..

ذكرنا في مقالات متعدده عن اسرار حركة القلوب وانها عالم عجيب.. وانها تتحرك وفق اسباب وانساق كثيرة.. ووفق فلسفة الاغراء الروحي والحسي الذي تشعر به الروح العليه فتتعلق بشبيهها .. لكنه هنا مختلف تماما.. ان الروح تنجذب هنا بالاضطرار وليس بالاختيار... تنجذب النفس وتميل الى الاخر بالضرورة .. وفق توفيق وتدبير إلهي عجيب وفريد..

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري من حديث ابي هريره وعند مسلم من حديث سهيل انه قال : ان الله اذا احب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل ان احب فلانا فأحبه.. قال فيحبه جبريل ثم ينادي في اهل السماء : ان الله يحب فلانا فأحبوه ..قال فيحبه اهل السماء..ثم يوضع له القبول في الارض... الحديث) وهنا اشارة عظيمه وجليلة ان العبد حين يتشرف بمحبة الله تعالى له فان اهل السماء والارض تتعلق به قلوبهم بامر الله تعالى.. فالقبول وضع له في الارض.. واسمه اعلن واشهر في الملأ الاعلى فتحدثت به الملائكه.. فاحبوه لحب الله له.. واي مكانة يسعى اليها العبد ويطلبها اعظم وازكى من حب الله تعالى له.. اي شرف اسما من هذا الشرف؟ وهنا حين ينال العبد قبول اهل الارض له.. كما ذكرنا تتحرك له القلوب له من غير اذن مسبق.. فتحبه.. وتشاقه.. وتسعد للقياه.. وتشقى لغيابه.. فنفوس العباد وقلوبهم تميل اليه بامر الله وتوفيقه .. فقد رضي الله عنه فارضى عنه خلقه وحببه اليهم.. وهذا كله من بركات العمل الصالح الذي عليه مدار هذا التشريف

ومن الطريف انني قرأت تعليقا ساذجا ومضحكا في نفس الوقت .. حيث قال صاحب التعليق وهو في معرض كلامه عن فنانة خليجيه ذائعة الصيت وقد انتشر اسمها في كل مكان وعلقت صورها في غرف النوم وعلى القمصان والفنائل وكانها سبب عز الاسلام او فاتحة القدس..او فدائية على اراضي الجهاد.. ولما كان معرض الكلام هو عن جهودها وانتاجها الفني و...و... قال صاحبنا في اخر تعليقه..: وانني في هذا المقام اتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث السابق.. اي ان فلانه سبب مجدها وحب الناس لها ان الله تعالى حين احبها حببها للناس..... زعم الجاهل ذلك

وهذا المثال ضربته ليس للتندر ولا للنكته والطرفه.. بل لكي نبين امرين اساسين

الاول / ان المحبه الضروريه التي تفرض على قلوب العباد ويلقى المحبوب فيها حب الناس بالضرورة هو نتاج العمل الصالح ونتاج اخلاص الدين والعمل لله وشيء تم بين العبد وربه من حسن النيه والاخبات له.. وليس بسبب اعمال اقل احوالها الفسق والمجون فهذا كذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل تفسير للحديث يستفز كل مسلم

الثاني / هو ما نلحظه مؤخرا من انه كلما شاهدوا انسانا قد ذاع صيته قالوا _ اكيد ان الله يحبه_ فالشهره شيء ومحبه الله تعالى للعبد وزرع حبه في القلوب شيء.. ومحبه الانسان لكونه مطيعا لله ومخبتا له ومنيبا اليه وانه صاحب خير وهدى وتدين وحسن خلق ليس كحب عاص يحبه اهل الارض بسبب ما يجدون هم مصلحه في حبهم له فان زالت زال الحب ..

ولهذا كل من اراد ان يكتب له في قلوب الناس موده وحبا فيلتفت الى ربه.. ليس فقط طمعا في حب الناس وحسب.. بل يجعل ذلك امارة حب الله تعالى له واختبار رضى الله عنه.. فكسب قلوب الناس ليس امرا هينا.. ولا تنفع كنوز الدنيا لتأدية هذا الامر البته.. وان لم يكن رب الكون عليك راضيا وكان عليك ساخطا فان القلوب تنفر عنك وتأباك وتنصرف عنك.. فكل الارض لله وتسبح بحمده.. والارض تبكي على موت المسلم المؤمن اربعين يوما كما جاء في بعض الاثار.. حتى الجماد يحب المسلم الذي رضي الله عنه واحبه.. فاقترب منه كل شيء وحن اليه كل شيء ببركه عمله الصالح