اللاجئ في القانون الدولي
ناهض زقوت
كاتب وباحث فلسطيني
تــمهيد :
تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين المطروحة على المجتمع الدولي من أصعب القضايا، فهي قضية شعب طرد من أرضه بقوة الإرهاب، ليحل مكانه شعب آخر ينفي وجوده، مالكاً هذه الأرض تحت ادعاء سافر "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". وفي هذا يقول الدكتور ليكس تاكنبرغ في دراسته حول وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي: "خلق الصراع على فلسطين واحدة من أشد أزمات اللاجئين إيلاماً وحزناً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ناحية الكم، فهي تبرز بشكل واضح على قائمة الأوضاع الرئيسة والكبرى للاجئين في العالم، ومن ناحية الاستمرارية والحساسية السياسية فلا يوجد مثيل لها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
إن تحديد المقصود باللاجئ بصورة عامة، من المسائل الصعبة في القانون الدولي نظراُ لعدم وجود تعريف له منتهى إليه في الفقه الدولي، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية ساهمت في بلورة مفهوم للاجئ بناء على اعتبارات خاصة. ونلاحظ أن تعريف اللاجئ اختلف وفقاً للظروف والوقائع التي يعيشها أو وفقاً للملابسات السياسية، فنجد أن مفهوم اللاجئ السياسي يختلف عن اللاجئ المطرود من وطنه بفعل العدوان أو الاحتلال، واللاجئ المطرود يختلف عن اللاجئ بفعل سياسة التطهير العرقي، ولاجئ التطهير العرقي يختلف عن لاجئ الكوارث الطبيعية، وهكذا تعددت تعريفات اللاجئ في المواثيق والأعراف الدولية.
ومن خلال قراءة متفحصة لتعريفات اللاجئ في ضوء القانون الدولي، نلاحظ أنها لا تنطبق على اللاجئين الفلسطينيين، حيث تم استثناؤهم من شمولية التعريف الدولي، وهذا يؤكد أن وضعية اللاجئ الفلسطيني في القانون الدولي تشوبها تعقيدات كبيرة، ولها حساسية خاصة.
لذا يواجه اللاجئون الفلسطينيون منذ اقتلاعهم عام 1948 مشكلة، ليس في كونهم لاجئين طردوا من وطنهم، ولكن تكمن المعضلة في تحديد مصطلح "من هو اللاجئ ؟"، فبالنسبة للاجئين الفلسطينيين أنفسهم يستطيعون تعريف هويتهم وتحديد مصطلحهم، بأنهم شعب آمن طرد من وطنه ودياره بقوة البطش والسلاح، وأصبحوا بفعل ذلك لاجئين في المنافي والشتات، ومن حقهم النضال بكل الوسائل من أجل العودة إلى ديارهم.
إن هذا التعريف البسيط والعميق في آن وفق منطق اللاجئ الفلسطيني، لا يرضي المجتمع الدولي وقانونه، من حيث خضوع هذا المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين لاعتبارات سياسية مرتبطة بقيام دولة إسرائيل.
ويركز هذا البحث على تعريف اللاجئ في ضوء القانون الدولي، سواء كانت التشريعات الدولية الممثلة بالأمم المتحدة ووكالاتها، أو الإقليمية كمنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الأوروبي. حيث أن تعريف اللاجئ وتحديد هويته من القضايا التي خلقت الكثير من التعقيدات والتباينات في الآراء والمواقف الدولية والإقليمية، الأمر الذي دفع إلى صياغة اتفاقات بين الدول أو داخل أروقة مجالس الدول والمنظمات الإقليمية من أجل السعي لبلورة مفهوم عام لتعريف مصطلح اللاجئ، ويتبعه بالتالي إيجاد حل لمشكلة اللاجئ.
تعريف اللاجئ في القانون الدولى
يشكل القانون الدولي مرجعاً أساسياً في تنظيم وضبط التعاملات والعلاقات بين الدول، رغم تعدد مصادره وتنوعها بين اتفاقات وأعراف تشريعية سواء كانت دولية أو إقليمية.
لذا سوف نتناول هذه الاتفاقات كلاً على حدة في تعريف اللاجئ ومن ثم مناقشة هذا التعريف ووضعية اللاجئ الفلسطيني فيه.
أولاً: الاتفاقات الدولية
تمثل هيئة الأمم المتحدة مصدراً بالغ الأهمية بالنسبة للأسرة الدولية في تشريع قواعد القانون الدولي وصياغة بنوده، لهذا صاغت الأمم المتحدة مجموعة كبيرة من الاتفاقات والأعراف الدولية التي تحمي اللاجئ وتحافظ على حقوق الإنسان، وكانت الاتفاقية الدولية الخاصة بمركز اللاجئين والصادرة عام 1951، من أهم الاتفاقات الدولية التي صدرت بعد الحرب العالمية الثانية. وقد صاغت تلك الاتفاقية تعريفاً لمصطلح اللاجئ، ينص على أن "كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير سنة 1951، وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاده لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج دولة جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوف أن يستظل بحماية دولته، أو كل شخص لا يتمتع بجنسية، ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة بسبب تلك الظروف، ولا يستطيع أو غير راغب بسبب هذا التخوف أن يعود إلى تلك الدولة (1).
تعد هذه الاتفاقية رغم صفتها الدولية، اتفاقية خاصة بشعوب محددة، هي شعوب أوروبا المتضررة من ويلات الحرب العالمية الثانية، لهذا كان التعريف وفقاً لمفاهيم أوروبية، ومن أجل إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الأوربيين الذين تركوا ديارهم نتيجة الحرب.
وبقراءة هذا التعريف نجد أنه ينص على تحديد زمني لتاريخ اللجوء، مما يعني أن اللاجئ بعد يناير 1951 لا تشمله الاتفاقية، لذلك لم تشمل كل المهجرين واللاجئين، وخاصة حالات اللجوء في العالم الثالث وبعض دول أوروبا الشرقية.
وقد شعر خبراء القانون في الأمم المتحدة بعجز هذه الاتفاقية عن تحقيق مرادها بسبب التحديد الزمني، لهذا تم تجاوز هذا الشرط في البروتوكول الخاص باللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1967، ليصبح لفظ اللاجئ ينطبق على كل من تتوفر فيه الشروط الأخرى دون تحديد للفترة الزمنية، ولكن التعريف لم تجر عليه أية تعديلات.
كما أن هذه الاتفاقية تعاملت مع الأفراد وليس الجماعات، حيث نصت على الاضطهاد الواقع على الشخص بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لفئة معينة أو آرائه السياسية، وهذا يدلل على مدى انطباقها على حالات اللجوء السياسي للأفراد الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل حكوماتهم، أكثر من شمولها لحالات اللجوء الجماعية.
ومن الاتفاقات الدولية التي نصت موادها على تعريف للاجئ، اتفاقية جنيف الصادرة في 12 آب عام 1949، فقد نصت على أن اللاجئ هو "كل إنسان يخشى جدياً من تعذيبه أو اضطهاده بسبب جنسه أو دينه أو جنسيته، ووجد خارج بلاده قبل العاشر من شهر كانون الثاني 1951، بسبب أحداث وقعت في البلاد التي يحمل جنسيتها".
لذلك كانت اتفاقية 1951 وكذلك نص اتفاقية جنيف وتعريفهما للاجئ يشوبهما القصور في كثير من نصوصهما، ولا تتفقان مع حالات اللجوء الأخرى والمعاصرة، بسبب اعتمادهما على الاضطهاد كسبب رئيسي للجوء. وهذا ما دفع الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية إلى أن تتوسع في تعريف اللاجئ.
ثانياً: الاتفاقات الإقليمة
لقد أدى القصور الواضح في اتفاقية جنيف، واتفاقية 1951 وبروتوكولها الملحق عام 1967، إلى محاولات إقليمية لصياغة تعريف أكثر تحديداً وشمولاً نابعاً من ظروف طبيعية أو استثنائية تعرض لها الإقليم.
صاغت منظمة الوحدة الأفريقية معاهدة في 10 أيلول عام 1969، بعد الأعداد المتزايدة للاجئين الأفارقة هرباً من الحروب والنزاعات الداخلية في إفريقيا منذ أواخر الخمسينيات، تناقش أوضاع هؤلاء اللاجئين وتنظم الجوانب الخاصة بمشاكلهم في القارة الأفريقية، لذلك وضعت تعريفاً تسترشد به، استندت فيه إلى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1951، ولكنها أضافت إليه ما يتفق مع ظروفها السياسية.
لذا نص تعريف اللاجئ على: "أي شخص بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما في جزء أو كل من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته(2)".
ونلاحظ من خلال قراءة هذا التعريف ـ رغم حديثه عن شخص ـ إلاّ أنه توسع في تحديد صفة اللاجئ الشخص أكثر مما جاء في تعريف اتفاقية 1951، ويرجع ذلك إلى الظروف السياسية ـ كما ذكرنا ـ التي كانت تمر بها أفريقيا آنذاك، لذا منحت مفهوم اللاجئ معنى أكثر وطنية، فهو من يضطر إلى مغادرة وطنه نظراً لعوامل احتلال أو هيمنة خارجية، وليس الاضطهاد فقط.
وقد عبرت المواثيق الأوروبية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين، عن توصيف أدق وأكثر شمولية لمفهوم اللاجئ من اتفاقية 1951، والمعاهدة الأفريقية عام 1969، وجنيف عام 1949، حيث كان توصيفها ينص على وسائل تعامل اللاجئين. ونص القرار رقم 14 لسنة 1967 بمنح حق الملجأ للأشخاص المعرضين لخطر الاضطهاد، وأشار الاتفاق الأوروبي لسنة 1980 إلى نقل المسؤولية عن اللاجئين، وجاءت توصية الاتحاد الأوروبي سنة 1981 للتنسيق بين الإجراءات الوطنية الخاصة بمنح حق اللجوء. وكذلك توصية سنة 1984 بشأن حماية الأشخاص المستوفين لاشتراطات معاهدة جنيف ممن لم يعدوا لاجئين قبل سنة 1984. وألزمت معاهدة دبلن لسنة 1990 التي تضع معايير لتحديد أية دولة عضو، تعد مسؤولة عن النظر في طلب حق الملجأ عندما يطلب اللاجئ حق اللجوء إلى دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي"(3).
إن توصيفات اللاجئ في المواثيق الأوربية كانت أكثر شمولية من التوصيفات المطروحة في الاتفاقيات السابقة، إلاّ أنها لم تتطرق لتحديد تعريف خاص بمصطلح اللاجئ، إنما تعاملت مع عمومية اللفظ كما جاء في اتفاقية جنيف سنة 1949، واتفاقية الأمم المتحدة سنة 1951.
وإذا كان المجتمع الأوروبي قد عانى من مشكلة اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن مجتمع أمريكا اللاتينية قد واجه هذه المعضلة منذ عام 1889، حيث كانت اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي أول وثيقة إقليمية تتناول اللجوء، وتبعها عام 1954 معاهدة كاراكاس عن حق اللجوء الإقليمي والدبلوماسي.
وجاء إعلان قرطاج عام 1984 ليرسي الأساس القانوني لمعاملة اللاجئين من أمريكا اللاتينية، خاصة بعد الصدامات والمعارك الدامية التي وقعت هناك وأدت إلى نزوح ما يقرب من المليون شخص خارج بلادهم، مما تسبب في مصاعب اقتصادية واجتماعية حادة للدول التي هربوا إليها، لهذا كان هذا الإعلان الذي وفر الأساس القانوني وأرسى مبدأ عدم إعادة اللاجئين قسراً إلى ديارهم، وأهمية استيعابهم وتمكينهم من العمل في البلدان التي لجأوا إليها، مع بذل كافة الجهود لإنهاء أسباب مشكلة اللاجئين.
وكان تعريف اللاجئ في إعلان قرطاج كالتالي: "إن الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم أو أمنهم أو حريتهم، بسبب أعمال العنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان، أو أية ظروف أخرى أخلت بشدة بالنظام العام في بلادهم" (4).
إن إعلان قرطاج يحمل أهمية كبيرة، فهو يتحدث عن أشخاص أي مجموعات، فارين من بلادهم، بسبب أعمال عنف أو عدوان، مما يعني أن هذا الإعلان أكثر شمولية وتحديداً من الاتفاقيات السابقة جميعها، إلاّ أن إعلان قرطاج رغم استناده للقانون الدولي في تعريف اللاجئ، هو غير ملزم للدول والحكومات، لأنه ليس معاهدة دولية بالمعنى القانوني إنما هو مجرد إعلان خاص بمكان معين وزمان محدد ومجموعات بشرية خاصة، ورغم تباين التعريفات لمصطلح اللاجئ في الاتفاقات الدولية أو الإقليمية، إلاّ أنها أوضحت بنسب متفاوتة عمومية حالات اللجوء في ضوء القانون الدولي كالتالي:
ـ هروب الأشخاص وبحثهم عن ملجأ بسبب الحروب الأهلية.
ـ الخرق السافر لحقوق الإنسان.
ـ الاحتلال أو العدوان الخارجي.
ـ الخوف من الاضطهاد بسبب العرق أو ***** أو الدين أو الرأي.
ـ الفقر والمجاعات والأمراض.
ـ الكوارث الطبيعية.
ـ فقد الجنسية.
وكما صنف القانون الدولي حالات اللجوء، وضع أيضاً تصوراً عاماً لحل مشكلة اللاجئ، من خلال:
ـ عودة اللاجئ إلى وطنه بعد التأكد من زوال الظروف التي دفعته للجوء.
ـ منح اللاجئ جنسية دولة الملجأ (التوطين).
لقد نصت المادة الثامنة من النظام الأساس للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين على حلول مشكلة اللاجئين، فذكرت: "إن مهمة الحماية الدولية تشمل منع إعادة اللاجئين قسراً، والمساعدة على استقرار طالب اللجوء من خلال إجراءات بعيدة عن التعقيد وتقديم العون والمشورة القانونية لهم، ووضع الترتيبات التي تضمن سلامتهم وأمنهم، والتشجيع على العودة الاختيارية الآمنة، والمساعدة في إعادة استقرارهم".(5)
القانون الدولي ومفهوم اللاجئ الفلسطينى
شكلت الاتفاقات الإقليمية حالة خاصة بذاتها، فهي تمثل وجهة نظر موقّعيها، ولكن يمكن الاسترشاد بها، بصفتها القانونية، تماشياً مع حالات مماثلة. وإذا حاولنا تطبيقها على اللاجئ الفلسطيني نجد أنها تعبر عن بعض الظروف والملابسات التي وقع فيها الفلسطيني، مثل العدوان، الاحتلال الخارجي، السيطرة الأجنبية، ترك الوطن، البحث عن ملجأ، تهديد حياتهم وأمنهم.. ولكن نتيجة لظرفها التاريخي الخاص لا يمكن لتعريفها أن يساوي تعريف اللاجئ الفلسطيني.
أما بالنسبة للاتفاقات الدولية، فهي عامة اللفظ، خاصة المعنى، مثل اتفاقية الأمم المتحدة عام 1951، فهي صدرت لتمثل حالة خاصة بمعناها العام، ورغم خصوصية معناها من حيث إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية في ضوء تعريفها، إلا أن هذا لا ينفي عنها صفة الاتفاقية الدولية، لسببين: الأول عمومية لفظها، والثاني صدورها من أعلى هيئة دولية.
وإذا حاولنا البحث عن توصيف للاجئ الفلسطيني ضمن هذه الاتفاقية، نجد أنها استثنت اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من وطنهم قبل يناير 1951، حيث كان طردهم من ديارهم بين عامي 1947 ـ 1948، وكان الاستثناء من ناحية التحديد الزمني، وفي تعريفها للجوء من حيث الاعتماد على حالة الاضطهاد الذي يتعرض له الفرد، ولكنها لم تكتف بذلك، بل صاغت نصاً واضحاً وصريحاً في الاتفاقية أشارت فيه دون تحديد الإسم إلى استثناء اللاجئين الفلسطينيين من شمولية الاتفاقية، حيث ذكرت: "لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون حالياً بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة، غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
بلا شك أن هذا النص قد وضع خصيصاّ بهدف استثناء اللاجئين الفلسطينيين من الاتفاقية، لأن إنشاء وكالة الغوث (الأونوروا) كان في عام 1949، وهي الوكالة أو الهيئة التي أعدت خصيصاّ لتقديم خدمات للاجئين الفلسطينيين.
وكان الموقف الأوروبي متفقاً تمام الاتفاق حول موضوعة استثناء اللاجئين الفلسطينيين من هذه الاتفاقية، نتيجة للظروف والأوضاع السياسية المتشابكة حول قضية فلسطين، مما جعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أكثر تعقيداً. لذا نأى المجتمع الأوروبي بنفسه عن الالتزام بهذه المشكلة، كما أنه خضع لضغوط الإدارة الأمريكية التي طرحت بصراحة عدم إدراج مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن هذه الاتفاقية، وكانت حجتها أن إدراج مثل هذه القضية غير واضحة المعالم في الاتفاقية سيؤدي إلى عزوف بعض الدول عن التوقيع على هذه الاتفاقية خوفاً من التزام مستقبلي قد يرهقهم. وحتى لا يفهم الموقف الأوروبي بأنه يتخلى إنسانياً عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، حاول إشمالهم في نص الاتفاقية بطريقة التفافية تعبر عن موقف سياسي مستقبلي، إذ تم إدراج فقرة في نفس مادة الاستثناء، تنص على: "فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائياً، طبقاً لما يتصل بالأمر من القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، يصبح هؤلاء الأشخاص جراء ذلك مؤهلين للتمتع بهذه الاتفاقية". إن المعنى الواضح للنص هو إلغاء دور وكالة الغوث (الأونوروا) بالنسبة للاجئين الفلسطينيين حتى تشملهم الاتفاقية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت اتفاقية 1951 لا تنطبق على الذين يتلقون مساعدات من جهة أو وكالة تابعة للأمم المتحدة، فهل جميع الفلسطينيين يتلقون مساعدات وخدمات من وكالة الغوث؟ نترك الإجابة عند الحديث عن المفهوم اللاجئ في ضوء الأونوروا.
أما بالنسبة للموقف العربي، فقد جاء مخالفاً ومؤيداً للموقف الأوروبي في آن، إذ انطلق الموقف العربي في رفض إدماج أو شمولية اتفاقية 1951 للاجئين الفلسطينيين من زاوية أن وضعيتهم مختلفة عن الآخرين، من حيث أن وضعيات اللجوء الأخرى تكون مسؤولية الأمم المتحدة عنها مسؤولية أخلاقية ـ إنسانية، أما بالنسبة للاجئ الفلسطيني فالمسؤولية سياسية، حيث كان اللجوء الفلسطيني نتيجة مباشرة لقرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار (181) لسنة 1947 الذي منح الشرعية لقيام دولة إسرائيل، ونتيجة لقيامها كان اللجوء الفلسطيني، لهذا فإن مسؤولية الأمم المتحدة تتجاوز المسؤولية الأخلاقية ـ الإنسانية لتصل إلى حد المسؤولية المباشرة عن الحدث نفسه، لذلك فهي ملزمة بحل هذه المشكلة. وعبر خطاب المندوب اللبناني آنذاك في الأمم المتحدة عن الموقف العربي قائلاً: "إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مسؤولية الأمم المتحدة مباشرة، ولا يمكن أن توضع في إطار عام دون خيانة هذه المسؤولية".
إن تحميل الموقف العربي المسؤولية للأمم المتحدة أي للمجتمع الدولي، كأنهم في تلك الحالة ينأون بأنفسهم عن هذه المسؤولية. ومن حيثيات عدم تحمل المسؤولية لم تضع جامعة الدول العربية تعريفاً محدداً للاجئ، إذ بعد مراجعة كافة القرارات والتشريعات التي وضعتها جامعة الدول العربية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين(6) لم نجد تعريفاّ محدداً للاجئ الفلسطيني، إنما هي مجموعة قرارات وتشريعات حول:
ـ جمع شمل الأسر الفلسطينية المشتتة ومنحهم وثائق سفر موحدة.
ـ تسهيل سفر وإقامة الفلسطينيين ومعاملتهم في الدول العربية.
ـ منح جنسية بعض الدول العربية لبعض اللاجئين الفلسطينيين.
ـ منح جوازات سفر مؤقتة.
كما لا توجد اتفاقية عربية جماعية على غرار الاتفاقات الدولية أو الإقليمية (7) لتنظيم الأوضاع الخاصة باللاجئين في الوطن العربي، ليس فقط اللاجئين الفلسطينيين إنما اللاجئين الآخرين، حيث يوجد في البلدان العربية ما يقدر بـ 1,400,000 لاجئ من جنوب غرب آسيا والقرن الأفريقي والشرق الأوسط.
إن المجتمع العربي يتحمل المسؤولية الكاملة عن اللاجئين الفلسطينيين ويشاركه فيها المجتمع الأوروبي من كافة النواحي السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الإنسانية والأخلاقية. وهذا لا يعني أن المجتمع العربي مسؤول عن نكبة الشعب الفلسطيني ـ وفق المنطق الإسرائيلي ـ لذلك يكون حل المشكلة معه، وليس مع الفلسطينيين أنفسهم، فالمجتمع العربي يتحمل مسؤوليته في الضغط بكل الوسائل على المجتمع الدولي وإسرائيل من أجل إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، وليس توطينهم.
تعريف اللاجئ لدى الأونوروا
حين استفحلت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وأمعنت المنظمات الصهيونية المسلحة القتل والذبح فيهم، بهدف تهجير أكبر عدد منهم، تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة، وبدلاّ من الوقوف بحزم أمام الإرهاب الصهيوني ومنعهم من تهجير السكان، قامت الأمم المتحدة بتحويل القضية من قضية سياسية (شعب يطرد من أرضه بقوة السلاح) إلى قضية إنسانية (شعب يبحث عن مأوى وطعام)، لذلك أنشأت "لجنة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNRPR في تشرين الثاني سنة 1948، وحددت مهمتها بالإشراف والتنسيق للمساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات والهيئات الدولية للاجئين.
ومع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز أغلبهم في أماكن محددة وخاصة على حدود وطنهم وأرضهم، ووقوف السلطات الصهيونية بحزم أمام عودتهم، قامت الأمم المتحدة مرة أخرى بإدخال تطوير على تلك اللجنة وتوسيع مهماتها، فأنشأت "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" UNRWA في 8 كانون أول عام 1949 وباشرت الوكالة عملها في أوائل أيار 1950.
وكانت مهمتها تقديم مساعدة طارئة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم عام 1948، وذلك بناء على قرار تأسيسها الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 302 لسنة 1949، والذي ينص: "إن الجمعية العامة إذ تذكر قراريها رقم 212 الصادر في 19 تشرين الثاني 1948، ورقم 194 الصادر في 11 كانون الأول 1948، اللذين يؤكدان بصورة خاصة أحكام الفقرة 11 من القرار الأخير.. تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194.. تؤسس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغيلهم. (
وبذلك فإن الوكالة مسؤولة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً، وهي تعد تعبيراً عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، ويتم تجديد دور الوكالة وانتدابها مجدداً كل ثلاث سنوات، ويقوم بتمويل ميزانيتها الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبهذا تتحكم تلك الدول في وضع سياستها وتشكيلها الإداري.
اعتمدت الأونوروا في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين على أرضية تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، وينص على: "اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان مكان إقامته العادية في فلسطين لمدة لا تقل عن عامين سابقين لنشوب النزاع العربي ـ الإسرائيلي عام 1948، وهو الشخص الذي فقد جراء ذلك النزاع بيته وسبل معيشته، وأصبح لاجئاً ومسجلاً لديها في أحد الأقطار التي تمارس فيها الوكالة عملياتها". وقد تم توسيع هذا التعريف لاحقاّ ليشمل أبناء وأحفاد اللاجئين، حيث يستفيدون من خدمات الوكالة المقدمة شريطة أن يكونوا مسجلين لديها، ويقطنون في منطقة عملياتها وبحاجة إلى المساعدة " (9).
إن وضع تعريف خاص باللاجئين الفلسطينيين من قبل المجتمع الدولي يعبر عن مدى مسؤولية هذا المجتمع عن نكبة هذا الشعب وتحويله إلى لاجئين، كما يعبر أيضاً عن الموقف الأخلاقي ـ الإنساني تجاه هذا الشعب من خلال تقديم خدمات ومساعدات عبر وكالة دولية أنشئت خصيصاً له بخلاف اللاجئين الآخرين الذين شملتهم إحدى وكالات الأمم المتحدة وهي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهذا يدل على خصوصية هذه المشكلة وعلاقتها بمواقف سياسية.
ويعد هذا التعريف هو الوحيد والخاص باللاجئين الفلسطينيين، إلاّ أنه لا يعد تعريفاً دولياً أو إقليمياً، رغم صدوره عن مؤسسة أو وكالة دولية، حيث أن هذا التعريف يخضع في معاييره إلى حصر نطاق عمل الأونوروا فقط، ولا يشمل عموم اللاجئين الفلسطينيين.
ومن قراءة هذا التعريف نلاحظ أن اللاجئ وفق تصورات الأونوروا هو المتواجد على أراضي أو أقطار تمارس فيها عملياتها، وهذه المناطق هي: الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، سوريا. أما اللاجئون الذين هاجروا إلى بلدان ومناطق لا يوجد فيها خدمات للاونروا، مثل العراق، ومصر، وأراضي فلسطين 1948، ودول الخليج العربي، وبعض البلدان الأجنبية، يكونون حسب تصورها وتعريفها غير لاجئين، مما يعني أن اللاجئ هو المسجل لديها ويتلقى مساعدة مشروطة أن يكون بحاجة إليها.
لقد أظهر مسح أُجري عام 1996 أن 25% من اللاجئين الفلسطينيين لم يتم تسجيلهم في سجلات الأونوروا، وذلك كما يقول ناجح جرار: "بسبب التعريف العملي الذي وضعته الأونوروا للاجئ" (10).
إن تعريف الأونوروا لمصطلح اللاجئ الفلسطيني غير ملائم، ولا ينطبق على كل اللاجئين الفلسطينيين، وبالإضافة كما ذكرنا، نجد أن التعريف ربط بين النزاع وصفة اللجوء، كما حدد فترة زمنية لا تقل عن عامين للشخص اللاجئ أن تكون فلسطين مكان إقامته قبل النزاع، وهذه التحديدات تضيق من مفهوم حق العودة، من حيث أنها تحرم الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين للعمل أو خلافه في مصر ودول الخليج مثلاً قبل النزاع بفترة طويلة من حقهم في العودة إلى فلسطين.
إن معيار الإقامة في فلسطين في حد ذاته منطقي، ولكنه لا يؤخذ سبباً لحرمان بعض الفلسطينيين من حقهم في وطنهم، وخاصة أن القرار 194 الخاص بحق العودة لم يحدد فترة زمنية، وكان شاملاً لكل اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا ديارهم وممتلكاتهم، وليس فقط المسجلين، لذلك لا نعرف من أين استنتجت الأونوروا مبرر زمنية الإقامة في فلسطين والذي تفرضه لإعطاء صفة اللاجئ.
لقد عبرت الأمم المتحدة في قرارها الخاص بإنشاء الوكالة السابق ذكره، أن مهمتها تقديم خدمات إنسانية، ولكنها ربطت هذا القرار بالفقرة (11) من قرار حق العودة رقم 194، وهذا يعني أن مهمة لوكالة ليست تقديم خدمات فقط، إنما يحمل مضمون قرار إنشائها هدفاً سياسياً هو تسهيل عودة اللاجئين، يقول جيرهارد بلغر، وانغريد جاسنر في مذكرتهما التي تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين: "إن الربط بين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ووكالة الأونوروا، يؤكد أن صلاحيتها تتعدى الصلاحية التنفيذية التي تتطلب بقاءها على جانب الحياد، فهناك جانب ومضمون سياسي لدور الوكالة يتمثل في تسهيل عودة اللاجئين إلى بيوتهم وممتلكاتهم والتعويض على أساس التزام المجتمع الدولي بمسئوليته " (11)، ويؤكد على هذا المضمون "رون ويلكنسون" مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام التابع لوكالة الأونوروا في غزة، حيث يقول: "إن الوكالة تعزز حق العودة أو التعويض، ونحن نصر على ذلك القرار 194" (12).
وإذا كان المضمون السياسي للوكالة يتمثل في عودة اللاجئين وتعويضهم، فثمة مضمون سياسي آخر نص عليه تعريف الأونوروا للاجئ، وذلك أن الوكالة تنظر للمشكلة الفلسطينية على أنها نزاع على أرض وليس صراع فلسطيني ـ إسرائيلي على الوجود تمثل في طرد هؤلاء الفلسطينيين من وطنهم، وهذا يعني أن إسرائيل تنازع الفلسطينيين على أرضها أو حقها في إقامة وطن كما نص وعد بلفور وأيده صك الانتداب، ومنحته الأمم المتحدة الصفة الشرعية بالقرار رقم 181 لسنة 1947.
إن جميع التعريفات السابقة لم تستطع التعبير عن مفهوم شامل للاجئ الفلسطيني، إما لأسباب إقليمية أو سياسية أو فنية إجرائية، لذلك نجتهد عبر تصور عام وقراءة عميقة للتعريفات الدولية والإقليمية في وضع تعريف شامل للاجئ الفلسطيني.
تعريف اللاجئ الفلسطيني
"هو كل شخص كان مكان إقامته الأصلية فلسطين، وأجبر على ترك مكان إقامته بسبب الخوف أو الاضطهاد أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان أو أحداث أخلت بالنظام العام، سواء في جزء أو كل فلسطين التي ينتمي إليها بأصله أو مولده، ولم يعد باستطاعته العودة إلى مكان إقامته الأصلية، وفقد نتيجة ذلك ممتلكاته، وعاش في المنفى سواء داخل حدود فلسطين أو خارجها".
الهوامش والمراجع
الهوامش والمراجع
1. أحمد الرشيدي (تحرير) : الحماية الدولية للاجئين ـ أعمال ندوة نظمها مركز البحوث والدراسات السياسية بالقاهرة في نوفمبر 1996، ونشرها المركز عام 1997. ص 20
2. المرجع السابق. ص 24
3. المرجع السابق. ص 21 – 22
4. المرجع السابق. ص 22 – 23
5. المرجع السابق. ص 27
6. انظر: عباس شبلاق : قرارات جامعة الدول العربية الخاصة بإقامة الفلسطينيين في الدول العربية. سلسلة دراسات (
ينشرها مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني (شمل). رام الله 1997
7. ومن هذه الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات :
- اتفاقية هافانا (كوبا) بشأن اللجوء عام 1928.
- اتفاقية اللجوء السياسي الموقعة في مونتيفيديو عام 1933.
- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1950.
- الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عام 1969.
8. مؤسسة الدراسات الفلسطينية : قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي ـ الإسرائيلي. المجلد الأول 1947 ـ 1974. بيروت 1993 ص 21 ـ 22
9. وكالة الغوث الدولية : دليل الأونوروا. منشورات مكتب الإعلام. حزيران 1995. ص 5 وانظر كذلك : جيرهارد بلفر وانغريد جاسنر: وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى بين مطرقة السياسة وسندان خدمة اللاجئين ـ مذكرة تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسئوليته تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين. منشورات المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين (بديل). بيت لحم 1997. ص 7
10. ناجح جرار: اللاجئ الفلسطيني.. إلى أين؟ منشورات مشروع التنمية البشرية المستدامة في فلسطين. سلسلة دفاتر تنموية رقم(6) جامعة بيرزيت 1997. ص 5
11. جيرهارد بلفر، وانغريد جاسنر : وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.. مرجع سابق. ص 18
12. المرجع السابق. ص 18 ـ 19
نقلا عن مجلة رؤية
تصدر عن السلطة الفلسيطينة
الهيئة العامة للاستعلامات