المؤتمر العلمي السنوي الثانى عشر
لكلية الحقوق – جامعة المنصورة
بعنـــــوان
البترول والطاقة : هموم عالم واهتمامات أمة
فى الفترة من 2 – 3 إبريل 2008
بقاعة السنهورى بكلية الحقوق – جامعة المنصورة
­بحث بعنوان
الإطــار القــــانونى للأمـــن النــووى
إعداد
أ.د/ محمد محمد عبد اللطيف
أستاذ القانون العام
كلية الحقوق – جامعتى الكويت والمنصورة
تقديم وتقسيم:
اتجهت مصر مؤخراً ، منذ الإعلان الرئاسي في 29 من أكتوبر 2007، إلى بحث استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. ويعتبر الأمن النووي أهم الموضوعات التي يثيرها هذا الاستخدام. ويتطلب الأمن النووي توافر عناصر متعددة، يأتي في مقدمتها وضع إطار قانوني.
نحاول في هذا البحث تقديم بعض الأفكار العامة اللازمة لوضع الإطار القانوني للأمن النووي على ضوء القانون المقارن.
وقد رأينا لمعالجة هذا الموضوع اتباع الخطة الآتية:
المبحث الأول : فكرة الأمن النووي.
المبحث الثاني : مصادر التنظيم القانوني للأمن النووي.
المبحث الثالث : مبدأ الشفافية والأمن النووي.
المبحث الرابع: سلطة الآمان النووي.
المبحث الأول
فكرة الأمن النووي
لم يكن موقف الدول في استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء واحداً. فقد ارتبط موقف بعض الدول بالمخاطر الناشئة عن استخدام هذه الطاقة، الأمر الذي دفعها إلى التخلي عنها. أما بعض الدول الأخرى، فقد وجدت في فوائد استخدام هذه الطاقة سبباً للتمسك بها، مراعية في نفس الوقت توفير أكبر قدر ممكن من الأمن النووي. وقد انعكس موقف هذه الدول وتلك في النصوص القانونية المختلفة.
مناهج الدول المعارضة لاستخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء:
يسود الاعتقاد لدى بعض الدول بأنه لا يوجد وئام بين الطاقة النووية والبيئة. ومازالت أحداث كارثة مفاعل تشيرنوبل في 1986 عالقة في الأذهان حتى الآن. لقد كشف هذا الحادث أن الأمان النووي تشوبه عيوب كثيرة، وأن التلوث الإشعاعي لم يعد مستبعداً، كما أنه لا يتوقف عند الحدود الوطنية.
وقد تبنت الدول المناهضة لاستخدام الطاقة النووية أساليب مختلفة.
فبعض الدول تحظر إقامة محطات نووية على أراضيها. وتعتبر النمسا أبرز هذه الدول. فقد أقامت النمسا محطة نووية في Zwentendorf ، غير أن الشعب النمساوي قرر في استفتاء نوفمبر 1978 عدم الموافقة على تشغيل هذه المحطة، ثم صدر قانون 15 من ديسمبر 1978 بفرض حظر على إنشاء محطات نووية على الأراضي النمساوية. وقد أكد البرلمان هذا الموقف مرة أخرى، حين أقر التشريع الدستوري في 13 أغسطس 1999 بشأن جعل النمسا خالية من الطاقة النووية. وفيما عدا الاستثناء الخاص بموقع المحطة النووية في Zwentendorf، والتي لم تكن محلاً للاستغلال، فإنه توجد أربع منشآت نووية فقط : ثلاثة مفاعلات أبحاث ، ومحطة لمعالجة وتخزين النفايات ([1]) .
وبعض الدول الأخرى التي كانت تستخدم من قبل الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء تبنت موقفاً آخر، وهو التخلي التدريجي abandon progressif عن هذه الطاقة. وتعتبر ألمانيا واحدة من هذه الدول. فقد بدأت سياسة التخلي التدريجي عن الطاقة النووية في 14 يونيو 2000، وذلك بإبرام اتفاق بين التحالف الحاكم في هذا الوقت بين الاشتراكيين والخضر وبين المستغلين. وقد أسفر هذا الاتفاق عن إقرار قانون 22 إبريل 202، بشأن تعديل قانون الاستخدام السلمي للطاقة النووية والحماية من مخاطر استخدامها الصادر في 23 ديسمبر 1959. ووفقاً للقانون الجديد لم يعد ممكنا الاستمرار في الطاقة النووية بعد عام 2020، نظراً للمخاطر المتزايدة بسبب استخدام هذه الطاقة، وعلى الرغم من توافر أقصى درجات الأمان للمنشآت النووية في ألمانيا. ويتضمن قانون 22 إبريل 2002 عدداً من الأحكام المهمة ومنها:
1. إحلال التخلي المنظم لاستغلال الطاقة النووية للإنتاج التجاري للكهرباء محل الهدف الأصلى للقانون وهو تشجيع الطاقة النووية.
2. وضع نهاية لاستغلال الطاقة النووية، والتأكد من أمان المنشآت أثناء الفترة الباقية للاستغلال. ولتحقيق هذا الهدف، يقرر القانون عدم جواز تسليم أي تصاريح خاصة ببناء واستغلال محطات جديدة، أو لإقامة مصانع لإعادة معالجة الوقود المستهلك، وانتهاء صلاحية تصاريح الاستغلال القائمة عندما يبلغ إنتاج كل محطة حصة الإنتاج المحددة لها.
3. منع إعادة معالجة الوقود المستهلك اعتباراً من أول يوليو 2005، ووضع اشتراطات جديدة لإدارة النفايات النووية.
وقد أغلقت بالفعل محطتان في نهاية يونيو 2005 ([2]).
ومن الدول الأخرى التي اتبعت سياسة التخلي التدريجي عن استخدام الطاقة النووية: السويد (1997) ([3])، وبلجيكا (2003) ([4]).
وقد اتبعت دول أخرى مسلكاً آخراً، يتمثل في تحديد مهلة moratoire ، لا يتم فيها منح تصاريح محطات نووية جديدة. وقد طبقت سويسرا هذا النظام في استفتاء شعبي في سبتمبر 1990 ، لكن الشعب السويسري رفض التخلي عن استخدام الطاقة النووية. وتبحث سويسرا بناء مفاعلات جديدة في عام 2002 ([5]).
وفي إيطاليا، وافق البرلمان في 1987 على تحديد مهلة تأخير لمدة خمس سنوات قبل بناء أما محطات نووية جديدة. وقد انتهت هذه المدة في 1992. وقد تم تجديد هذه الفترة بصورة مستمرة. وقد أغلقت المحطات النووية الثلاث التي كانت قائمة في إيطاليا في 1990، وأعيد تخصيص déclassement هذه المحطات. أي المحطة الرابعة التي لم يكن قد انتهى بناؤها، فقد تم تحويلها إلى محطة متعددة الوقود. وتستورد إيطاليا احتياجاتها من الكهرباء من فرنسا، كما أن الشركة الايطالية Enel SPA تقوم بالاستثمار في بناء المفاعلات النووية في فرنسا وسلوفاكيا ([6]).
الأمن النووي الركيزة الأساسية للقانون النووي:
على الرغم من المخاطر المرتبطة باستخدام الطاقة النووية، إلا أن التخلي عنها لا يبدو ممكناً بالنسبة لبعض الدول. ففي أوروبا بصفة عامة، فإن الطاقة النووية توفر 25% من إنتاج الكهرباء. وفي فرنسا بشكل خاص، كان يوجد لديها 59 محطة نووية حتى 2002، وكانت تغطى حتى ذلك الوقت 77.9% من الإنتاج الكلى للكهرباء. يضاف إلى ذلك، أن الطاقة المتجددة مثل : الطاقة الشمسية ، وطاقة الرياح، وطاقة الحرارة غير قادرة على أن تحل محل الطاقة العضوية energie fossile في عصر قريب حتى مع وجود سياسة مقصودة في هذا الاتجاه. وأخيراً فإن بعض العوامل الأخرى تشجع استخدام الطاقة النووية منها: أن المخاطر ترتبط أيضاً بالصناعات البترولية والكيماوية، وأن الطاقة النووية لا تسهم في ظاهرة الانحباس الحراري، كما أنها تحقق قدراً كبيراً من الاستغلال في مجال الطاقة ([7]).
من هنا، أدركت بعض القوانين مدى الحاجة إلى الطاقة النووية. فالقانون الأساسي للطاقة النووية في اليابان الصادر في 19 ديسمبر 1955 ينص على أنه يستهدف ضمان إمدادات الطاقة في المستقبل، وتدعيم أنشطة البحث ، وتنمية واستعمال الطاقة النووية للأغراض السليمة.
غير أن القوانين تؤكد أيضا على فكرة الأمن النووي. فالمادة الأولى من القانون السويسري بشأن الطاقة النووية في 21 من مارس 2003 تنص على أنه يستهدف بوجه خاص حماية الإنسان والبيئة من الأخطار بالطاقة النووية.
والأمن النووي هو من عمل الفنين والقانونين على حد سواء، وهو يحتاج إلى إطار قانوني على مستوى عال. غير أن وضع إطار قانوني وإن كان ضرورياً للأمن النووي، إلا أنه ليس وحده كافياً، إنه يحتاج إلى عنصر آخر مهم، هو ثقافة الأمان النووي Culture de sureté nucleaire . وهذه الثقافة تعنى تحقق الوعي، وطريقة سلوك من جانب العاملين والمستغلين، بحيث يتم التأكد من أن المسائل الخاصة بالأمان النووي، ونظراً لخطورتها، تحظى بأولوية على أى اعتبار آخر ([8]).
إن القانون النووي وحده لا يمكن أن يولد ثقافة الأمان النووي. ومع ذلك، فإن وضع نظام قانوني غير جيد يمكن أن يعيق إقامة أو تدعيم ثقافة الأمان النووي، بينما أن إقامة نظام قانوني قوى يمكن أن يحسن من هذه الثقافة، وذلك بتوفير كافة الموارد الضرورية، وتسهيل المعلومات الشفافة، ومنع حدوث التنازع بين المؤسسات، والتأكد من أن التقديرات الفنية المستقلة لن توقف لأسباب ليس لها علاقة بالموضوع. باختصار ، إن وضع تشريع نووي يفترض الأخذ في الاعتبار المسائل التي لها علاقة بثقافة الأمان النووي، لكنه وحده لا يخلق حتماً هذه الثقافة ([9]).
تعريف الأمن النووي، وتمييزه عن الأمان النووي:
يتم التمييز عادة بين الأمن النووي Sécurité nucléaire "security" والامان النووي Sécurité nucléaire "safety" . غير أنه لا يوجد معيار محدد لهذا التمييز، وإن كان الاتفاق على أن الأمن النووي فكرة أوسع ن الأمان النووي.
فالبعض يرى أن الأمان فكرة تحيل إلى مجموع القواعد الخاصة بالوقاية من المخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب تصميم المنشأة النووية. أما الأمن، فإنه في المقابل ، فكرة واسعة تعنى تقييداً للمخاطر المرتبطة باستخدام الطاقة النووية ([10]). وكما يرى البعض ، فإن هذا التمييز يبدو مصطنعاً، لأن تصميم وإدارة المنشأة النووية من الداخل يمكن أن يكون لهما امتداد بيئي وانعكاسى على خارج المنشأة. إن الأضرار لا تتوقف عند حدود المنشأة ، لأن حوادث مختلفة يمكن أن تحدث تداخلاً بين المنشأة النووية والوسط البيئى مثل تسرب بعض المواد، أو انتشار انبعاثات إشعاعية، وتعرض للخطر في نفس الوقت التشغيل العادي للمنشأة ([11]).
ويرى البعض الآخر أن فكرة الأمن فكرة واسعة يمكن أن تعنى الحماية من المخاطر الخارجية التي يمكن أن تهدد الأنشطة النووية. أما الأمان فهو مجموع النظم الفنية والتنظيمية التي يجب اتخاذها حتى يكون تشغيل المنشأة النووية، أو نقل مواد نووية، لا يمثل إلا مخاطر محددة حتى يكون مقبولاً من العاملين والجمهور والبيئة. إن الأمان يعنى الاحترام الدقيق للنظم المطبقة. لكن المعنى الواسع للأمان أصبح يعنى حماية الأفراد والمجتمع والبيئة، وذلك بوضع نظام دفاعي فعال ضد المخاطر الإشعاعية ([12]).
غير أن معجم المصطلحات النووية الذي وضعته سلطة الأمان النووي في فرنسا ASN ([13]). قد أخذ بالرأي الأول في التمييز بين الأمن النووي والأمان النووي. فالأمن النووي هو مجموعة النظم التي تستهدف ضمان حماية الأشخاص والأموال في مواجهة المخاطر والأضرار والمضايفات من أى نوع والتي تنشأ من تنفيذ منشآت نووية ثابتة أو متحركة، أو تشغيلها، أو وقفها أو تفكيكها، وكذلك أيضاً المحافظة على نقل أو استعمال أو تحويل المواد المشعة الطبيعية أو الصناعية. أما الأمان النووي فهو مجموعة النظم التي تستهدف ضمان التشغيل الطبيعي للمنشآت النووية، للوقاية من الحوادث أو التقليل من آثارها، وذلك في مراحل التصميم ، والبناء ، والتشغيل ، والاستخدام ، والإيقاف النهائي، والتفكيك للمنشآت نووية، أو لنقل المواد الإشعاعية ([14]).
أما من الناحية التشريعية، فإن قانون الشفافية والأمن في المجال النووي في فرنسا في 13 من يونيو 2006 قد أعتبر الأمان النووي أحد عناصر الأمن النووي. فالأمن النووي، وفقاً للمادة الأولى من هذا القانون، يشمل: الأمان النووي، والحماية من الإشعاع ، والوقاية من أعمال التخريب ومكافحتها، وأعمال الأمن المدني في حالة الحوادث ([15]).
أما الآمان النووي فهو مجموعة النظم الفنية والإجراءات التنظيمية الخاصة بتصميم، وبناء، وتشغيل، ووقف، وتفكيك المنشآت النووية الأساسية، وكذلك بنقل المواد المشعة ، وذلك من أجل الوقاية من الحوادث أو للحد من آثارها ([16]).
وأما الحماية من الإشعاع radioprotection فهى الحماية من الأشعة المؤينة، أى مجموعة القواعد، والإجراءات، وطرق الوقاية والرقابة التي تستهدف منع أو تقليل الآثار الضارة للأشعة المؤينة التي تحدث للأشخاص، بطريق مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك الاعتداءات على البيئة ([17]).
المبحث الثاني
مصادر التنظيم القانوني للأمن النووي
إن القواعد القانونية التي تطبق على تنظيم استعمال الطاقة النووية تشكل جزءاً من النظام القانوني للدولة، غير أن هذه القواعد القانونية تتميز عن غيرها من القواعد بطبيعة خاصة، ترجع إلى خصائص الطاقة النووية بوصفها تكنولوجيا عالية وإلى المخاطر التي ترتبط باستخدامها.
وقواعد القانون النووي تجد مكانها في إطار تدرج النظام القانوني للدولة. وهذا التدرج ، كما هو معلوم ، له عدة مستويات: دستورية ، وتشريعية ولائحيه ، وقضائية. وإلى جانب هذه المستويات الداخلية للقانون النووي، فإنه لا يجوز إهمال المصادر الدولية لهذا القانون والتي تكتسب أهمية خاصة.
المصدر الدستوري للقانون النووي:
يحدد الدستور البناء المؤسسي والقانوني الأساسي للدولة. وغالباً لا تتضمن الدساتير أي نصوص خاصة بالطاقة النووية. ومع ذلك ، توجد بعض القواعد الدستورية في هذا المجال . ويأتي في مقدمة هذه القواعد اختصاص المشرع بالتشريع في المجال النووي. ويمكن تسويغ اختصاص المشرع بصفة عامة بأن الأنشطة الخاصة بالطاقة النووية يمكن أن تعرض للخطر حقوقاً مكفولة دستورياً، ومن هذه الحقوق: الحق في الحياة، والحق في سلامة الجسم ، والحق في البيئة. ومن المعلوم أن الدستور الفرنسي ، بعد تعديله في 2005 ، قد نص على أنه: " يحدد القانون القواعد المتعلقة بالمحافظة على البيئة" ([18]). . كما أن الدستور الألماني ينص في المادة 2 على أنه :" لكل فرد الحق في الحياة ، والسلامة الجسمانية. والحرية الشخصية مكفولة. ولا يجوز وضع قيود على هذه الحقوق إلا بقانون".
وفي الدول الاتحادية أو الفيدرالية، تحرص الدساتير على أن تجعل الاختصاص بالتشريع في مجال الطاقة النووية للتشريع الاتحادي، وليس للتشريع الخاص بالدول الأعضاء. فالمادة 73 من دستور ألمانيا (القانون الأساسي) تنص على أن اختصاص التشريع الاتحادي يشمل إنتاج الطاقة النووية للأغراض السليمة، وبناء واستغلال المنشآت النووية، والحماية من مخاطر التعرض للطاقة النووية والأشعة المؤينة، والتخلص من المواد المشعة". واستناداً إلى هذا النص ، قضت المحكمة الدستورية في ألمانيا في 1978، بأن القرار الخاص باختيار الطاقة النووية أو عدم استعمالها يقع على عاتق المشرع([19]).
وفي سويسرا أيضاً، تنص المادة 90 من الدستور الاتحادي على أن التشريع النووي من اختصاص الدولة الاتحادية ([20]). وبالتالي ، فإن الموضوعات الخاصة بالأمن النووي لا تدخل في اختصاص المقاطعات، وإنما ينحصر اختصاصها في إجراءات تصاريح المنشآت النووية ([21]).
وإلى جانب القاعدة المستمدة من اختصاص المشرع؛ توجد بعض المبادئ الدستورية التي يقع على عاتق المشرع احترامها. فالميثاق الدستوري للبيئة في فرنسا في 2005 يقرر مبدأ الحيطة Principe de precaution ([22]). ومبدأ الوقاية Principe de prevention ([23])، وهما من المبادئ التي نصت المادة (2) من قانون 13 يونيو 2006 في فرنسا على تطبيقها على الأنشطة التي تتضمن خطر تعرض الأشخاص للأشعة المؤينة. ويعتبر مبدأ الملوث يدفع Polleur-payer أحد المبادئ المتفرعة عن مبدأ الوقاية. وتطبيقاً له، فإن المسئول عن النشاط النووي، مثل المستغل، أو حائز مصادر الطاقة، يتحمل تكاليف إجراءات الوقاية ، خصوصاً الاختبارات ، وإجراءات تخفيض المخاطر، وإلقاء التصريف rejets d'effuents "
المصادر التشريعية واللائحية للقانون النووي:
إن عملية التشريع في المجال النووي لا تختلف كثيراً عن عملية التشريع في المجالات الأخرى. ومع ذلك ، فإنها تظل متميزة، نظراً لأن الطاقة النووية نظام بالغ التعقيد والتخصيص، كما أن استخدامها ينطوي على مخاطر غير عادية على صحة الإنسان والبيئة، والأمن الوطني والدولي ([24]).
وتقتضى عملية إعداد التشريع في المجال النووي أن تؤخذ في الاعتبار العناصر الآتية :
1- تحديد مضمون النشاط المرتبط بالطاقة النووية. إن الدول تختلف في لجوئها إلى الطاقة النووية. فقد تقوم الدولة بجميع الأنشطة النووية بما في ذلك استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، أو استخدام المواد المشعة في أغراض طبية وزراعية وصناعية ، أو استغلال مناجم اليورانيوم للتصدير. غير أن بعض الدول لا تلجأ إلى أى نوع من الأنشطة النووية ، غير أنها في حاجة إلى نظام قانوني، يطبق على سبيل المثال على عبور المواد النووية أو أى مصادر أخرى للإشعاع أراضيها. وأخيراً ، فإن بعض الدول تهتم فقط بالأنشطة النووية التي تتم في دول مجاورة، مما يبرر إبرام اتفاقات للتعاون أو إعداد خطط للطوارئ خاصة بالحوادث الإشعاعية.
2- مراجعة القوانين التي لا تستهدف بشكل خاص الأنشطة النووية ، لكنها يمكن أن تنعكس على الطريقة التي تتم بها هذه الأنشطة . ومن هذه القوانين على سبيل المثال القوانين التي لها علاقة : بإجراءات الرقابة على استعمال التربة ، وبموضوعات البيئة مثل جودة الهواء والماء وحماية الوسط الطبيعي، وبالتنظيم الاقتصادي لشركات الكهرباء، وبالوقاية من حوادث العمل والأمراض المهنية، وبالإجراءات الإدارية للأشخاص العامة، وبالنقل وبتصدير واستيراد المواد النووية، وبحقوق الملكية الفكرية، وبالمسئولية عن الأضرار غير النووية، وبإدارة الطوارئ، وبالضرائب.
3- تمكين الأطراف المعنية من إبداء الرأي أثناء فترة معينة ، أو أثناء التخفيضات التي تقوم بها إحدى جهات الدول. والأطراف المعينة بالنشاط النووي متعددة مثل: أصحاب الصناعة التي تخضع للتنظيم ، والهيئات العلمية، والمرافق العامة ، والجمعيات ، والدول الأخرى المجاورة التي تكون قد أبرمت اتفاقات حول تبادل المعلومات بشأن الانعكاسات عابرة الحدود والدول التي تشارك في تصدير أو استيراد بعض أنواع من التكنولوجيا والمواد.
4- إن المدة المخصصة لبحث التشريع النووي أمام البرلمان يمكن أن تكون طويلة ومعقدة وتقع مسئولية صياغة القانون على خبراء تتوافر لهم معارف ترتبط بالتكنولوجيا النووية وخبراء قانونين يتوافر لديهم التخصص في القانون النووي. ويجب أن يستخدم التشريع النووي ألفاظاً محددة وواضحة بقدر الإمكان . ويجب على من يتولى صياغة القانون أن تكون لهم رؤية خاصة فيما يعرض عليهم من اقتراحات، وتقويم ما إذا كانت هذه الاقتراحات قابلة للتطبيق علمياً لتدعيم الأمن النووي.
وأخيراً ، فإن الدول تختلف في تصورها للإطار القانوني للنشاط النووي.
فبعض الدول تضع قانوناً شاملاً لأنشطة الطاقة النووية. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية رائدة هذا الاتجاه . فقد أصدرت قانون الطاقة النووية في 1954 وهو قانون شامل ، وقد حل محل القانون السابق الصادر في 1946.
وتتجه دول أخرى إلى وضع عدة قوانين خاصة بالطاقة النووية، وتعطى لأحدها وصف "القانون الأساسي للطاقة النووية" وهذا هو الوضع في اليابان، إذ صدر القانون الأساسي للطاقة النووية رقم 186 في 19 ديسمبر 1955 ([25])، ثم صدرت تباعاً القوانين الثلاثة الآتية: قانون المواد الخام، والوقود النووي، والمفاعلات (1957)، وقانون الوقاية من مخاطر الأشعة المؤينة (قانون 1957)، وقانون التعويض عن أضرار المسئولية النووية (قانون 1961).
وهذا هو الوضع أيضاً في سويسرا، حيث توجد أربعة قوانين : قانون الطاقة النووية (2003) ، وقانون الحماية من الإشعاع (2003)، وقانون المسئولية المدنية في المجال النووي (1983 ، وقانون سلطة التفتيش الاتحادية للأمن النووي (2007) . ويضاف إلى هذه القوانين مجموعة من الأوامر.
وتتجه دول أخرى إلى إصدار قانون أساس ينظم الأنشطة النووية، يحدد إجراءات الحماية من الإشعاع ، ويعين السلطات المختصة ويبين مهامها، على أن تصدر مراسيم تطبيقاً لهذا القانون. وتعتبر هولندا من أبرز هذه الدول. فقد صدر فيها قانون 1963 بشأن الطاقة النووية، ويضع القواعد الأساسية المطبقة على المجال النووي. ثم صدرت عدة مراسم لتطبيق القانون اعتباراً من 1969 ([26]).
وأخيراً، تتجه دول أخرى إلى إصدار عدة قوانين خاصة بالأنشطة النووية. ويمكن أن نشير إلى إيطاليا، إذ يتكون الإطار التشريعي للنووي من قانون إطار Loi-cadre ، وهو القانون 1860 الصادر في 31 ديسمبر 1962، ومن ثلاثة مراسيم تشريعية أخرى في 1995 و 2000.
أما في مصر ، فلا يوجد قانون شامل يحكم أنشطة الطاقة النووية، بل توجد عدة قوانين وقرارات جمهورية ووزارية. وأهم هذه القوانين والقرارات: القرار الجمهوري 288 لسنة 1957 بإنشاء مؤسسة الطاقة الذرية، والقرار بقانون 59 لسنة 1960 في شأن تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها، والقانون رقم 13 لسنة 1976 بإنشاء هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، والقرار الجمهوري رقم 196 لسنة 1977 بإنشاء هيئة المواد النووية. وفيما يتعلق باللوائح التنفيذية نشير بوجه خاص إلى : القرار الجمهوري رقم 47 لسنة 1991 باللائحة التنفيذية لهيئة الطاقة الذرية، وقرار وزير الصحة رقم 630 لسنة 1962 بإصدار اللائحة التنفيذية للقرار بقانون 59 لسنة 1960 في شأن تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها.
ويتم حالياً إعداد مشروع قانون نووي ، بعد أن اتخذ القرار ببحث إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء.
3- المصدر القضائي للقانون النووي:
لا يشكل مصدراً مهماً للقانون النووي. فالمصدر الرئيسي لهذا القانون هو التشريع واللوائح وكذلك المعاهدات الدولية كما سيأتي الحديث. فالمصدر القضائي محدود نسبياً، نظراً لأن المنازعات القضائية الناشئة عن تطبيق هذا القانون ليست كثيرة، فيما عدا المنازعات الخاصة بتصاريح إنشاء المنشآت النووية. وهذه المنازعات غالباً ما تكون على المستوى الوطني. ويلاحظ أنه يوجد اتجاه متزايد في بعض الدول للمنازعة في مشروعات نووية في دول أخرى. ففي النمسا، رفعت منازعات تعترض على استغلال محطة نووية في جمهورية التشيك، وفي أيرلندا أيضاً، رفعت دعاوى للمنازعة في تشغيل مصنع للوقود في المملكة المتحدة، وذلك إمام المحكمة الدولية لقانون البحار في هامبورج. كذلك، رفعت دعاوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، استناداً إلى الحق في حماية الأموال والسلامة الجسمانية، للمنازعة في بعض قرارات التصريح بتمديد استغلال محطات نووية. غير أنه من الملاحظ أن القضاء قد رفض هذه الدعاوى ([27]).
ويلاحظ أن الدعاوى الخاصة بالحق في المعلومات في تزايد مستمر سواء أمام المحاكم الدولية أو الوطنية . ([28])
ونظراً لطبيعة المخاطر المرتبطة باستخدام الطاقة النووية، فإن المحاكم في الدول الأوروبية تمنح في إطار نظامها القانوني، لرعايا الدول الأخرى غير المقيمين فيها، الحق في اللجوء إليها للطعن في القرارات الخاصة بإنشاء محطات نووية. وبناء على ذلك، قضت المحكمة الإدارية الاتحادية في ألمانيا بقبول الدعوى المرفوعة من الرعايا الهولنديين المقيمين على الحدود المشتركة مع ألمانيا بالطعن في التصريح ببناء محطة نووية بالقرب من الحدود الألمانية الهولندية. وتستند المحكمة في قضائها إلى عدة اعتبارات. أما الاعتبار الأول فهو أن مبدأ الإقليمية لا يمنع إلا من ممارسة السيادة خارج الأراضي الوطنية ، وأن مجرد أن النظام القانوني الألمانى يمنح بعض المزايا أو الحقوق للمقيمين الأجانب لا يشكل ممارسة لحقوق السيادة خارج أراضى الدولة. وهذا التسويغ الجديد يمثل تطوراً كبيراً بالمقارنة بالأفكار التي كانت سائدة من قبل. وأما الاعتبار الثاني فهو أن المحكمة أقامت قضاءها استناداً إلى قانون الطاقة النووية في ألمانيا ، والذي يحدد أن الهدف منه هو حماية الحياة والصحة والأموال من الطاقة النووية والآثار الضارة للأشعة المؤينة. وهذا يتطلب تفسيراً لصالح القانون الدولي. وأما الاعتبار الثالث والأخير فهو أن الاعتراف للمقيمين الأجانب على الحدود بالحق في اللجوء إلى القضاء الوطني يساهم في تحقيق الجودة للقرارات الصادرة عن السلطات الإدارية الوطنية في مجال حماية البيئة، ووفاء الدولة بتعهداتها الدولية وخصوصاً مراعاة حق الجوار مع الدول الأخرى ([29]).
وفي هذا السياق أيضاً، نشير إلى أن القضاء الإداري في مصر قدم مساهمة مهمة ، في مجال قبول دعوى الإلغاء، بالاكتفاء بصفة المواطن، لأن هذه الصفة تكفي وحدها لإقامة دعوى إلغاء ووقف تنفيذ قرار دفن النفايات في الصحراء الغربية، لأن هذا القرار من شأنه تعريض مصالح المواطنين وصحتهم ومستقبلهم لأخطار جسيمة، إن المصلحة اندمجت هنا مع صفة المواطن، وهو فرض نادراً ما يتحقق ([30]).
المصادر الدولية للقانون النووي:
إن دراسة القانون النووي لا تكتمل دون بحث الاتفاقات الدولية ونشاط المنظمات الدولية المتخصصة في إعداد هذا القانون. ويرجع الدور المهم للمصادر الدولية إلى التطور السريع والحديث للتكنولوجيا النووية والرغبة في استباق المشكلات التي يمكن أن تحدث نتيجة استخدامها. من هنا، تعاونت الدول مستعينة بخبراتها في وضع قواعد تتلاءم مع هذا الوضع الجديد، وبما يسمح مستقبلاً باقتباس هذه القواعد في القانون الوطني ([31]).
وقد تم التعاون بين الدول في إطار المنظمات الدولية ومنها بشكل خاص: الوكالة الدولية للطاقة الذرية ([32]), ووكالة الطاقة النووية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ([33]).
وقد أسفر التعاون الدولي عن إبرام اتفاقات في المجال النووي، ومن أهم هذه الاتفاقات. اتفاقية الأمان النووي في فيينا 1994، والاتفاقية المشتركة لأمان إدارة الوقود المستهلك وأمان إدارة النفايات المشعة في فيينا 1997، واتفاقية الإبلاغ السريع للحوادث النووية في فيينا 1986، واتفاقية التعاون في مجال الحوادث النووية أو حالة الطوارئ الإشعاعية في فيينا 1986.
وتلقى هذا الاتفاقات على عاتق أطرافها أن تتخذ الإجراءات القانونية للوفاء بالتزاماتها على المستوى الوطني، أي بتطبيق الاتفاقات تطبيقاً داخلياً ([34]). وتختلف الدول في معالجة هذا الموضوع.
تتبع معظم الدول أسلوباً قانونياً مؤداه أنه يتم إقرار أحكام المعاهدات الدولية بوصفها قانوناً داخلياً متميزاً. غير أن دولاً أخرى تلتزم بمنهج آخر، يجعل من الاتفاقات الدولية المبرمة وفقاً للقانون الداخلي عنصراً في النظام القانوني للدولة، وبالتالي فإنها تقبل التطبيق المباشر.
غير أن المصادر الدولية للقانون النووي لا تقف عند الاتفاقات الدولية، وإنما تشمل أيضاً القواعد التي وضعتها المنظمات الدولية المتخصصة ولا تتمتع بقوة قانونية ملزمة، إنها مجرد توصيات للدول، تستمد أهميتها فقط من أنها وضعت بمعرفة العلماء المتخصصين ([35]). وإنها تعالج موضوعات من طبيعة فنية خالصة مثل القواعد الخاصة بالحماية من الإشعاع أو أمن النقل، وأنها تغطى موضوعات لا يوجد بشأنها اتفاق دولي وحيث تتردد الدول في التخلي عن حريتها في الحركة، وهذه القواعد تشكل نوعاً من القانون العرفي، ولم تفلت من نقد بعض الكتاب ([36]).
وترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه من الأفضل بالنسبة لواضعي القانون النووي الوطني الاكتفاء بالإشارة إلى التوجيهات الدولية للآمان التي وضعتها الوكالة، وأن من شأن هذه الإحالة أن تستفيد الدولة من المعاونة الفنية للوكالة من أجل احترام الشروط التي وضعتها ([37]).
وقد وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ثلاث مجموعات من قواعد السلوك Codes de conduite وهذه المجموعات هى : مجموعة قواعد الانتقال الدولي عبر الحدود للنفايات المشعة ([38])، ومجموعة قواعد الآمان وأمن المصادر المشعة ([39])، ومجموعة قواعد آمان مفاعلات الأبحاث ([40]).
وإلى جانب قواعد السلوك، توجد مجموعة أخرى من القواعد غير الملزمة يطلق عليها " مجموعة قواعد الأمان" Collection des norms de sureté التي سبق أن وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهذه المجموعة لها وجود مستقل عن الوثائق الأخرى.