سلمان بن فهد العودة
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه وسلم. ورد في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مَنْ رآه هابَه، ومن عرفه أحبَّه. والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته، فقد كان شخصاً عظيم النفس، عظيم الخُلُق، تامَّ الفطرة.
ورد في صفة رسالته أنها: رحمة للعالمين؛ كما في محكم التنزيل، وقال عليه السلام؛ كما في صحيح مسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً).
ومن قطعيّات المعاني أن الناس تجتمع على اللين، وتفترق على الشدة والقسوة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}سورة آل عمران: 159.
ولعل من اليُمن والبُشرى أن يتنادى المسلمون في كل بقعة لنصرة محمد - صلى الله عليه وسلم, وتجديد سنّتِه.
قبل أيام شَرَعَت إحدى المؤسسات في إعداد موسوعة عالمية؛ للتعريف بشخصه الكريم عليه السلام، في آلاف الصفحات، وبأكثر من خمس عشرة لغة، وبوسائط متعددة، ورقيّة وإلكترونية، وستكون مزوّدةً بالرسوم والخرائط، ووسائل الإيضاح، والخدمات المعرفيّة المتاحة كافة.
وقد باشَرَت العديد من القنوات بثّها بعدة لغات؛ للتعريف بالإسلام, وقطع الطريق على العابثين، ممن لا تعنيهم الحقيقة العلمية فضلاً عن المهمّة الرساليّة، وبين يديّ فكرة جديدة سهلة؛ للتأليف في السيرة العطرة.
إن كتب السيرة كثيرة, ومختلفة المقاصد والمناهج، بيد أن العصر الحاضر يحتاج إلى صياغة ملائمة للمسلمين، خصوصاً الشباب والفتيات الذين يُحبّون الرسول - صلى الله عليه وسلم - حباً عاطفياً؛ يحتاج إلى أن يتحول لاقتداء عملي، ومتابعة مسلكيّة ظاهرة وباطنة.
وغير المسلمين بحاجة إلى معرفة إيجابية؛ تجعلهم يؤمنون به، أو يحبونه ويحترمونه، وإن لم يؤمنوا به. وهذا وذاك ليس بالأمر العسير، ولكنه يحتاج إلى جهود مكثّفة ، وأفكار متآزرة.
وهيكليّة هذا العمل تتمثل - مبدئياً - بأربعة محاور:
* الأول: مدخل في التعريف بالقرآن، وقطعيّة ثبوته، والحقائق التاريخية والواقعية الدامغة على دقّة نقله. ويشمل هذا دراسة موجزة عن مخطوطات المصحف في العالم, ونماذج منها، والمصحف الإمام وأين هو؟ وبهذا تُقنع حتى من لا يؤمنون بالوحي بتاريخيّة المصحف، وقطعيّة نقله؛ ليسهل عليهم فهم دلالاته, ومعجزاته العلمية والتاريخية والتشريعية، وقراءة نبوءاته الصادقة.
* الثاني: الدلائل:وينتظم المعجزات، والآيات الدالة على صدقه - عليه السلام - من القرآن، وما يتعلق بذلك من صحاح السنة، مما يشاهده الخلق الآن ويعرفونه, ويقفون عليه, وليس فقط المعجزات المادية الخارقة التي شهدها جيل الرسالة.
ومن هذا الإعجاز: مخاطبات القرآن للرسول - صلى الله عليه وسلم - في التأييد, والمعاتبة، والأمر والنهي، والوعد الذي تحقق في حياته, أو بعد مماته، أو في العصر الحاضر له، أو لأمته, أو للعالمين.
وفي هذا ثلج اليقين، وقوة الإيمان؛ (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) (سورة المدثر:31).
* الثالث: القيم والأخلاق:وهي محلّ إجماع الخَلْق كافّة على محبّتها, والإشادة بها، وهي الأصول والكليات والمبادئ المتعلقة بالوحدانية، وأنه ليس له من الأمر شيء، فلم يكن داعياً لنفسه (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (سورة الأحقاف:9).
ومبادئ العدل والمساواة, والحقوق العامة والخاصة، الرجل والمرأة والطفل، بل الحيوان والطير والوحش، ووراء ذلك البيئة والمرافق العامة وسواها.
ومبادئ العلاقة الطّيبة، والتواصل والتسامح، والصبر والإحسان، وقيم الحب والخير والجمال الظاهر والباطن، والنظافة في الثوب والبدن، والقلب والضمير (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (سورة المدثر:4-7).
وهذه أبواب عظيمة, إذا أُحسن عرضها، وسياق نماذجها وأدلتها وقصصها؛ لأنها تؤسس لجيل إسلامي عظيم في رعايته للحقوق، والتزامه بالأخلاق، وتفوّقه على نوازع النفس، ومؤثّرات البيئة، وضغوط الأوضاع، التي أفرزت تداخلاً بين حظ الشريعة وحظوظ النفس، ومرادات (الأنا)، التي حكمت بالشتات والولع بالتنازع.
ومن هذا تأصيل مبادئ التعامل، حين القوة والقدرة، وحين الاختلاف، وحين العسر واليسر.
إن السكينة التي تحلّت بها شخصيته المقدسة هي خير دواء لعنفوان النفوس الاندفاعية، التي قد تنتصر له، لكن بغير ما تقتضي شريعته وسنته.
* الرابع: الأحداث والوقائع الواردة في القرآن: وما يتبعها مما جاء في صحاح السنن، مع الإعراض عن تفصيلاتها المطوّلة، والاقتصار على المهم منها، كالبعثة، والصّدع، والإسراء والمعراج، والهجرة، والدعوة، والبناء الاجتماعي، والحركة الاقتصادية، والمغازي، والحج، والوفاة.
ويتبع ذلك عرض موجز لأحوال البيت النبوي، وعلاقاته، وطبيعة علاقة المجتمع المدني بعضه ببعض.
خليقٌ بمثل هذا العمل إذا أُنجز أن يكون مادة صالحة لتدرّس في الجامعات، والمحاضن التربوية، وتُقرأ في المساجد والتجمّعات، وتُترجم إلى لغة كلّ قوم, بحسب ما يلائم عقلياتهم ومفاهيمهم وأذواقهم؛ لتكون الرسالة قد وصلت فعلاً، وبطريقة صحيحة.
لن يكتمل هذا العمل دون تعاون أخوي صادق من كل محبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بمشورة, أو معلومة, أو دلالة على مصدر، أو تنبيه على فكرة، فليكن لك -أخي الكريم- سهم في هذه الغنيمة، فهي الغنيمة الباردة، وهي الغنيمة الباقية.